(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧))
(ما حَوْلَكُمْ) يا أهل مكة (مِنَ الْقُرى) من نحو حجر ثمود وقرية سدوم وغيرهما. والمراد : أهل القرى. ولذلك قال (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٢٨)
القربان : ما تقرب به إلى الله تعالى ، أى : اتخذوهم شفعاء متقربا بهم إلى الله ، حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين (١) المحذوف (٢) ، والثاني: آلهة. وقربانا : حال ولا يصح أن يكون قربانا مفعولا ثانيا وآلهة بدلا منه لفساد المعنى. وقرئ قربانا بضم الراء. والمعنى : فهلا منعهم من الهلاك آلهتهم (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أى غابوا عن نصرتهم (وَذلِكَ) إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم وضلالهم عنهم ، أى : وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة ، وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب من كونه ذا شركاء. وقرئ : إفكهم : والأفك والإفك : كالحذر والحذر. وقرئ : وذلك إفكهم ، أى : وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق. وقرئ : أفكهم على التشديد للمبالغة. وآفكهم : جعلهم آفكين. وآفكهم ، أى : قولهم الآفك ذو الإفك ، كما تقول قول كاذب ، وذلك إفك مما كانوا يفترون ، أى : بعض ما كانوا يفترون من الإفك.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
__________________
(١) قال محمود : «أحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الموصول محذوف ... الخ» قال أحمد : لم يتبين وجه فساد المعنى على هذا الاعراب. ونحن نبينه فنقول : لو كان قربانا مفعولا ثانيا ومعناه متقربا بهم : لصار المعنى إلى أنهم وبخوا على ترك اتخاذ الله متقربا به ، لأن السيد إذا ونخ عبده وقال : اتخذت فلانا سيدا دوني ، فإنما معناه اللوم على نسبة السيادة إلى غيره ، وليس هذا المقصد ، فان الله تعالى يتقرب إليه ولا يتقرب به لغيره ، فإنما وقع التوبيخ على نسبة الالهية إلى غير الله تعالى ، فكان حق الكلام أن يكون آلهة هو المفعول الثاني لا غير.
(٢) قوله «اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف» هو الذي أبرزه في قوله : أى اتخذوهم. (ع)