السبحة ، والضمائر لله عز وجلّ والمراد بتعزير الله : تعزير دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فرق الضمائر فقد أبعد. وقرئ : لتؤمنوا وتعزروه (١) وتوقروه وتسبحوه ، بالتاء ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمّته. وقرئ : وتعزروه بضم الزاى وكسرها. وتعزروه بضم التاء والتخفيف ، وتعززوه بالزاءين. وتوقروه من أوقره بمعنى وقره. وتسبحوا الله (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) عن ابن عباس رضى الله عنهما : صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(١٠)
لما قال (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) أكده تأكيدا على طريق التخييل (٢) فقال (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) يريد أن يد رسول الله التي تعلو أيدى المبايعين : هي يد الله ، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام ، وإنما المعنى : تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما ، كقوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) والمراد : بيعة الرضوان (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه. قال جابر بن عبد الله رضى الله عنه : بايعنا رسول الله تحت الشجرة على الموت ، وعلى أن لا نفرّ ، فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقا ، اختبأ تحت إبط بعيره ولم يسر مع القوم (٣). وقرئ : إنما يبايعون لله ، أى : لأجل الله ولوجهه ، وقرئ : ينكث بضم الكاف وكسرها ، وبما عاهد وعهد (فَسَيُؤْتِيهِ) بالنون والياء ، يقال : وفيت بالعهد وأوفيت به ، وهي لغة تهامة. ومنها قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ).
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ
__________________
(١) قوله «قرئ لتؤمنوا وتعزروه» يفيد أن قراءة الياء هي المشهورة ، وقد تشير إلى تفريق الضمائر قراءة : وتسبحوا الله ... الآية. (ع)
(٢) قال محمود : «لما قال إنما يبايعون الله أكده تأكيدا على طريق التخييل ... الخ» قال أحمد : كلام حسن بعد إسقاط لفظ التخييل وإبداله بالتمثيل ، وقد تقدمت أمثاله.
(٣) لم أجده هكذا بل في حديث جابر «أنه سئل كم كانوا يوم الحديبية؟ قال : كنا أربعة عشر مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة. وهي سمرة. فبايعناه. وجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعيره» أخرجه مسلم. ولأبى يعلى من هذا الوجه «لم نبايعه على الموت وإنما بايعناه على أن لا نفر ، بايعناه كلنا. إلا الجد بن قيس ، فانه اختبأ تحت بطن بعيره» فهذا ليس فيه أنه بايع ونكث ، بل فيه أنه لم يبايع أصلا.