المعنى في القلب وتثبيته ، وفيه معنيان ، أحدهما : أنها تمتلئ مع اتساعها وتباعد أطرافها حتى لا يسعها شيء (١) ولا يزاد على امتلائها ، لقوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) والثاني : أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد. ويجوز أن يكون (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) استكثارا للداخلين فيها واستبداعا للزيادة (٢) عليهم لفرط كثرتهم. أو طلبا للزيادة غيظا على العصاة. والمزيد : إما مصدر كالمحيد والمميد ، وإما اسم مفعول كالمبيع.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ)(٣٥)
(غَيْرَ بَعِيدٍ) نصب على الظرف ، أى : مكانا غير بعيد. أو على الحال ، وتذكيره لأنه على زنة المصدر ، كالزئير والصليل ، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث. أو على حذف الموصوف ، أى : شيئا غير بعيد ، ومعناه التوكيد ، كما تقول : هو قريب غير بعيد ، وعزيز غير ذليل. وقرئ : توعدون بالتاء والياء ، وهي جملة اعتراضية. و (لِكُلِّ أَوَّابٍ) بدل من قوله للمتقين ، بتكرير الجارّ كقوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) ، وهذا إشارة إلى الثواب. أو إلى مصدر أزلفت. والأوّاب : الرجاع إلى ذكر الله تعالى ، والحفيظ : الحافظ لحدوده تعالى. و (مَنْ خَشِيَ) بدل بعد بدل تابع لكل. ويجوز أن يكون بدلا عن موصوف أوّاب وحفيظ ، ولا يجوز أن يكون في حكم أوّاب وحفيظ ، لأنّ من لا يوصف به
__________________
ـ أَنَّها تَسْعى) فلا يشك في وجوب اجتنابه ، ثم يعود بنا الكلام إلى إطلاقه هاهنا فنقول : هو منكر لفظا ومعنى. أما اللفظ فقد تقدم ، وأما المعنى فلأنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة ، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه ، وكيف نفرض وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك : منها هذا : ومنها : لجاج الجنة والنار. ومنها : اشتكاؤها إلى ربها فأذن لها في نفسين. وهذه وإن لم تكن نصوصا فظواهر يجب حملها على حقائقها ، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم يمنع مانع ، ولا مانع هاهنا «فان القدرة صالحة. والعقل يجوز ، والظواهر قاضية بوقوع ما صوره العقل ، وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا ، كتسليم الشجر وتسبيح الحصا في كف النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد أصحابه ، ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظواهر في تفاصيل المقالة لا تسع الخرق وضل كثير من الخلق عن الحق ، وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها ، فان العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق ، فاشدد يدك بما فصل في هذا الفصل ، مما أرشدتك به إلى منهج القرب والوصل ، والله الموفق.
(١) قوله «حتى لا يسعها شيء» كأن فيه قلبا. (ع)
(٢) قوله «واستيداعا للزيادة» لعله واستبعادا. (ع)