ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي وحده. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره : يقال لهم ادخلوها بسلام ، لأنّ (مَنْ) في معنى الجمع. ويجوز أن يكون منادى كقولهم : من لا يزال محسنا أحسن إلىّ ، وحذف حرف النداء للتقريب (بِالْغَيْبِ) حال من المفعول ، أى : خشيه وهو غائب لم يعرفه ، وكونه معاقبا إلا بطريق الاستدلال. أو صفة لمصدر خشي ، أى خشيه خشية ملتبسة بالغيب ، حيث خشي عقابه وهو غائب ، أو خشيه بسبب الغيب الذي أوعده به من عذابه. وقيل : في الخلوة حيث لا يراه أحد. فإن قلت : كيف قرن بالخشية اسمه الدال على سعة الرحمة؟ (١) قلت : للثناء البليغ على الخاشى وهو خشيته ، مع علمه أنه الواسع الرحمة ، كما أثنى عليه بأنه خاش ، مع أنّ المخشى منه غائب ، ونحوه (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) فوصفهم بالوجل مع كثرة الطاعات. وصف القلب بالإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى ، لأنّ الاعتبار بما ثبت منها في القلب. يقال لهم (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أى سالمين من العذاب وزوال النعم. أو مسلما عليكم يسلم عليكم الله وملائكته (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) أى يوم تقدير الخلود ، كقوله تعالى (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) أى مقدرين الخلود (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) هو ما لم يخطر ببالهم ولم تبلغه أمانيهم ، حتى يشاؤه. وقيل : إن السحاب تمرّ بأهل الجنة فتمطرهم الحور ، فتقول : نحن المزيد الذي قال الله عز وجل : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ).
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ)(٣٦)
(فَنَقَّبُوا) وقرئ بالتخفيف : فخرقوا في البلاد ودوّخوا (٢). والتنقيب : التنقير عن الأمر والبحث والطلب. قال الحرث بن حلزة :
نقّبوا في البلاد من حذر الموت |
|
وجالوا في الأرض كلّ مجال (٣) |
ودخلت الفاء للتسبيب عن قوله (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أى : شدّة بطشهم أبطرتهم وأقدرتهم على التنقيب وقوّتهم عليه. ويجوز أن يراد : فنقب أهل مكة في أسفارهم ومسايرهم في بلاد القرون ،
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت : كيف قرن الخشية باسمه الدال على سعة الرحمة ... الخ» قال أحمد : ومن هذا الوادي بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء على صهيب بقوله : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه».
(٢) قوله «ودوخوا» الذي في الصحاح : أن دوخ البلاد بمعنى قهرها واستولى على أهلها. (ع)
(٣) للحرث بن كلدة. والنقب : الطريق. ونقبوا ، أى : ساروا في طرق البلاد ونقروا وفتشوا على مهرب وملجأ ، لأجل حذرهم من الموت. وجالوا ، أى : ذهبوا في الأرض. والجول : الناحية والجانب ، أى : ساروا في نواحي الأرض وجوانبها ، كل مجال ، أى : كل طريق ، أو كل جولان ، لأن مفعل صالح للمكان والحدث.