فهل رأوا لهم محيصا حتى يؤملوا مثله لأنفسهم ، والدليل على صحته قراءة من قرأ (فَنَقَّبُوا) على الأمر ، كقوله تعالى (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) وقرئ بكسر القاف مخففة من النقب وهو أن يتنقب خف البعير. قال :
ما مسّها من نقب ولا دبر (١)
والمعنى : فنقبت أخفاف إبلهم. أو : حفيت أقدامهم ونقبت ، كما تنقب أخفاف الإبل لكثرة طوفهم في البلاد (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) من الله ، أو من الموت.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٣٧)
(لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أى قلب واع ، لأنّ من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له. وإلقاء السمع : الإصغاء (وَهُوَ شَهِيدٌ) أى حاضر بفطنته ، لأنّ من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب ، وقد ملح الإمام عبد القاهر في قوله لبعض من يأخذ عنه :
ما شئت من زهزهة والفتى |
|
بمصقلاباذ لسقى الزروع (٢) |
__________________
(١) أقسم بالله أبو حفص عمر |
|
ما مسها من نقب ولا دبر |
اغفر له اللهم إن كان فجر |
لأعرابى : شكا إلى عمر رضى الله عنه ضعف ناقته ، فأعطاه شيئا من الدقيق ولم يعطه مطية ، فولى يقول ذلك ، فأعطاه مراده. ومن زائدة في الفاعل ، مفيدة للمبالغة في الاستغراق. والنقب ـ كالتعب ـ : ضرر خف البعير من الحفا ، ويطلق على الجرب والحكة ورقة الجلد. والدبر كالتعب أيضا : انجراح مؤخر الظهر من الحمل ونحوه ، ووقوع ألف الوصل أول المصراع سائغ ، لأنها محل ابتداء ، كما نص عليه الخليل ، والمراد بالفجور : الحنث.
(٢) يجيء في فضلة وقت له |
|
مجيء من شاب الهوى بالنزوع |
ثم يرى جبلة مشبوبة |
|
قد شددت أحماله بالنسوع |
ما شئت من زهزهة والفتى |
|
بمصقلاباذ لسقى الزروع |
ملح ولمح به الامام عبد القاهر في بعض من يأخذ عنه ولا يحضر ذهنه ، وهو أبو عامر الجرجاني ، أى : يجيء في بقية وقت له مع تعلق فكره بغير ما جاء له ، كمجيء من خلط الهوى بالنزوع ، أى الرجوع ويطلق النزوع على الشوق أيضا ، ثم يرى خلقة وطبيعة غليظة مشعلة بشهوات الشباب. والجبلة ـ بكسرتين فتشديد ، وبتثليث أوله وسكون ثانيه ـ : الخلقة والطبيعة ، ولعلها مضافة لما بعدها إضافة الموصوف لصفته. ويقال : شب يشب ويشب شبابا وشبيا : قمص ولعب. وشببت النار شبا وشبوبا : أوقدتها. وشببته : أظهرته. وأشببته : هيجته. ويروى : ثم ترى جلسة مستوفز ، أى : مستعجل متهيأ للقيام. وهذه الرواية أوفق بالوزن والمعنى. والنسع : حزام عريض يوضع تحت صدر المطية ، وستر الهودج ، واسترخاء لحم الأسنان ، وريح الشمال ، والذهاب ، وسرعة الانبات. وجمعه : أنساع ونسوع ونسع. أى : والحال أنه قد شددت أحماله بالنسوع ، كناية عن الرحيل. ويقول الفارسي عند استحسان الأمر : زهازه ، فأخذ منه الزهزهة ، أى : ما شئت من الاستحسان عند التعلم موجود منه كثير ، والخطاب لغير معين ، والحال أن الفتى في مصقلاباد ، وهي محلة بجرجان ، ويروى بالذال المعجمة ، أى : كائن ـ