لو فعله في دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش ، وإنما يتكلمون بالحكم والكلام الحسن متلذذين بذلك ، لأنّ عقولهم ثابتة غير زائلة ، وهم حكماء علماء. وقرئ : لا لغو فيها ولا تأثيم (غِلْمانٌ لَهُمْ) أى مملوكون لهم مخصوصون بهم (مَكْنُونٌ) في الصدف ، لأنه رطبا أحسن وأصفى. أو مخزون لأنه لا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة. وقيل لقتادة : هذا الخادم فكيف المخدوم؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» (١) وعنه عليه السلام : «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه : لبيك لبيك» (٢).
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)(٢٨)
(يَتَساءَلُونَ) يتحادثون ويسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله وما استوجب به نيل ما عند الله (مُشْفِقِينَ) أرقاء القلوب من خشية الله. وقرئ ، ووقانا ، بالتشديد (عَذابَ السَّمُومِ) عذاب النار ووهجها ولفحها. والسموم : الريح الحارّة التي تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة (مِنْ قَبْلُ) من قبل لقاء الله تعالى والمصير إليه ، يعنون في الدنيا (نَدْعُوهُ) نعبده ونسأله الوقاية (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) المحسن (الرَّحِيمُ) العظيم الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب. وقرئ : أنه بالفتح ، بمعنى : لأنه.
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ)(٢٩)
(فَذَكِّرْ) فاثبت على تذكير الناس وموعظتهم ، ولا يثبطنك قولهم : كاهن أو مجنون ، ولا تبال به فإنه قول باطل متناقض ، لأنّ الكاهن يحتاج في كهانته إلى فطنة ودقة نظر ، والمجنون مغطى على عقله. وما أنت بحمد الله وإنعامه عليك بصدق النبوّة ورجاحة العقل أحد هذين.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة به قال فذكره ، وأخرجه الثعلبي من رواية الحسن مرسلا
(٢) أخرجه الثعلبي من رواية عمر بن عبد العزيز البصري عن يوسف بن أبى طيبة عن وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة نحوه.