بالعاطف. فإن قلت : أى تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف؟ قلت : إنّ الشمس والقمر سماويان ، والنجم والشجر أرضيان ، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل ، وأنّ السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين ، وأن جرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله ، فهو مناسب لسجود النجم والشجر وقيل : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) جعله علامة وآية. وعن ابن عباس رضى الله عنه : الإنسان آدم. وعنه أيضا : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن مجاهد النجم : نجوم السماء (وَالسَّماءَ رَفَعَها) خلقها مرفوعة مسموكة ، حيث جعلها منشأ أحكامه ، ومصدر قضاياه ، ومتنزل أوامره ونواهيه ، ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه ، ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) وفي قراءة عبد الله : وخفض الميزان ، وأراد به كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس ، أى خلقه موضوعا مخفوضا على الأرض : حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم (أَلَّا تَطْغَوْا) لئلا تطغوا. أو هي أن المفسرة. وقرأ عبد الله : لا تطغوا بغير أن ، على إرادة القول (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) وقوّموا وزنكم بالعدل (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) ولا تنقصوه : أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة ، وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان. وكرّر لفظ الميزان : تشديدا للتوصية به ، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه. وقرئ. والسماء. بالرفع. ولا تخسروا بفتح التاء وضم السين وكسرها وفتحها. يقال : خسر الميزان يخسره ويخسره ، وأمّا الفتح فعلى أن الأصل : ولا تخسروا في الميزان ، فحذف الجار وأوصل الفعل. و (وَضَعَها) خفضها مدحوّة على الماء (لِلْأَنامِ) للخلق ، وهو كل ما على ظهر الأرض من دابة. وعن الحسن : الإنس والجنّ ، فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها (فاكِهَةٌ) ضروب مما يتفكه به ، و (الْأَكْمامِ) كل ما يكم أى يغطى من ليفة وسعفة وكفرّاة (١) وكله منتفع به كما ينتفع بالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه. وقيل الأكمام أوعية التمر : الواحد كم. بكسر الكاف. و (الْعَصْفِ) ورق الزرع ، وقيل التبن (وَالرَّيْحانُ) الرزق وهو اللب : أراد فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغرى وهو ثمر النخل ، وما يتغذى به وهو الحب. وقرئ : والريحان ، بالكسر. ومعناه : والحب ذو العصف الذي هو علف الأنعام ، والريحان الذي هو مطعم الناس. وبالضم على : وذو الريحان. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
__________________
(١) قوله «وسعقة وكفراة» الذي في الصحاح «الكفرى بلا تاء ، وأنها وعاء الطلع اه ، فلعل عبارة المفسر من ليفه وسعفه وكفراه باضافة كل إلى ضمير النخل ، كما سيأتى في ثمره وجماره وجذوعه ، والناسخ توهم أنها هاء التأنيث فتقطها فوق. (ع)