(أَفَرَأَيْتُمْ ...) الآية. والحطام : من حطم ، كالفتات والجذاذ من فت وجذ : وهو ما صار هشيما وتحطم (فَظَلْتُمْ) وقرئ بالكسر. وفظللتم على الأصل (تَفَكَّهُونَ) تعجبون. وعن الحسن رضى الله عنه : تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه. أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم يذلك من أجلها. وقرئ : تفكنون. ومنه الحديث «مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء (١) ويتركها القرباء فبيناهم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون» (٢) أى : يتندمون (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) لملزمون غرامة ما أنفقنا. ومهلكون لهلاك رزقنا ، من الغرام : وهو الهلاك (بَلْ نَحْنُ) قوم (مَحْرُومُونَ) محارفون محدودون ، لاحظ لنا ولا بخت لنا ، ولو كنا مجدودين ، لما جرى علينا هذا. وقرئ : أئنا.
(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ)(٧٠)
(الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) يريد : الماء العذب الصالح للشرب. و (الْمُزْنِ) السحاب : الواحدة مزنة. وقيل : هو السحاب الأبيض خاصة ، وهو أعذب ماء (أُجاجاً) ملحا زعاقا (٣) لا يقدر على شربه. فإن قلت : لم أدخلت اللام على جواب (لَوْ) في قوله (لَجَعَلْناهُ حُطاماً) ونزعت منه هاهنا؟ قلت : إنّ «لو» لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ، ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها ، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضمونى جملتيها أنّ الثاني امتنع لامتناع الأوّل : افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق ، فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك ، فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه ، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به : لم يبال بإسقاطه عن اللفظ ، استغناء بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول : خير ، لمن قال له : كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه. وتساوى حالى حذفه وإثباته لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس :
حتى إذا الكلّاب قال لها |
|
كاليوم مطلوبا ولا طلبا (٤) |
__________________
(١) قوله «كمثل الحمة يأتيها البعداء» في الصحاح «الحمة» : العين الحارة يستشفى بها الأعلاء والمرضى. وفي الحديث : «العالم كالحمة» اه. (ع)
(٢) لم أجده
(٣) قوله «ملحا زعاقا» في الصحاح «الماء الزعاق» : الملح. وطعام مزعوق : إذا كثر ملحه. (ع)
(٤) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٢٨٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.