(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(٤)
كان عبد الله بن أبىّ رجلا جسيما صبيحا ، فصيحا ، ذلق اللسان (١) وقوم من المنافقين في مثل صفته ، وهم رؤساء المدينة ، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستندون فيه ، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن (٢) ؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم. فإن قلت : ما معنى قوله (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)؟ قلت : شبهوا في استنادهم ـ وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير ـ بالخشب المسندة إلى الحائط ؛ ولأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع. ويجوز أن يراد بالخشب المسندة : الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان ، شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم ، والخطاب في (رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ) لرسول الله ، أو لكل من يخاطب. وقرئ : يسمع ، على البناء للمفعول ، وموضع (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ) رفع على : هم كأنهم خشب. أو هو كلام مستأنف لا محل له. وقرئ : خشب جمع خشبة ، كبدنة وبدن. وخشب ، كثمرة وثمر. وخشب ، كمدرة ومدر ، وهي في قراءة ابن عباس. وعن اليزيدي أنه قال في (خُشُبٌ) : جمع خشباء ، والخشباء :
الخشبة التي دعر جوفها (٣) : شبهوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم (عَلَيْهِمْ) ثانى مفعولي يحسبون (٤) ، أى : يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم ، لجبنهم وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب : إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة : ظنوه إيقاعا بهم. وقيل : كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم. ومنه أخذ الأخطل :
__________________
(١) قوله «فصيحا ذلق اللسان» أى طلق اللسان ، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) قال محمود : «كانوا يجالسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستندون في المجلس ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن ... الخ» : قال أحمد : وفيما قال اليزيدي نظر من حيث مقتضى العربية ، وإلا فهو متمكن المعنى ، وذلك أنها قرئت بضم الشين وسكونها قراءتين مستفيضتين ، ففيه دليل أن أصلها الضم ، والسكون إنما هو طارئ عليه تخفيفا ، وهذا يبعد كونها جمع خشباء على وزن فعلاء ، لأن قياس جمعه فعل بسكون العين كحمراء وحمر ، ولا يطرأ الضم ، فلو كان كما قال لم تضم شينها ، والله تعالى أعلم.
(٣) قوله «التي دعر جوفها» أى فسد. أفاده الصحاح. (ع)
(٤) قال محمود : «المفعول الثاني (عَلَيْهِمْ) تقديره : واقعة عليهم ... الخ» قال أحمد : وغلا المتنبي في المعنى فقال :
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم |
|
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا |