خبر مبتدإ محذوف ، أى : نحن خصمان (وَلا تُشْطِطْ) ولا تجر. وقرئ : ولا تشطط ، أى : ولا تبعد عن الحق. وقرئ : ولا تشطط. ولا تشاطط ، وكلها من معنى الشطط : وهو مجاوزة الحدّ وتخطى الحق. و (سَواءِ الصِّراطِ) وسطه ومحجته : ضربه مثلا لعين الحق ومحضه.
(إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)(٢٣)
(أَخِي) بدل من هذا أو خبر لإنّ. والمراد أخوّة الدين ، أو أخوّة الصداقة والألفة ، أو أخوة الشركة والخلطة ، لقوله تعالى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) كل واحدة من هذه الأخوات تدلى بحق مانع من الاعتداء والظلم. وقرئ : تسع وتسعون ، بفتح التاء. ونعجة ، بكسر النون وهذا من اختلاف اللغات ، نحو نطع ونطع ، ولقوة ولقوة (١) (أَكْفِلْنِيها) ملكنيها. وحقيقته : اجعلنى أكفلها كما أكفل ما تحت يدي (وَعَزَّنِي) وغلبني. يقال : عزه يعزه. قال :
قطاة عزّها شرك فباتت |
|
تجاذبه وقد علق الجناح (٢) |
يريد : جاءني بحجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أردّه به. وأراد بالخطاب : مخاطبة المحاج المجادل : أو أراد : خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا ، أى : غالبني في الخطبة فغلبني ، حيث زوّجها دوني. وقرئ : وعازني ، من المعازة وهي المغالبة. وقرأ أبو حيوة : وعزنى ، بتخفيف الزاى طلبا للخفة ، وهو تخفيف غريب ، وكأنه قاسه على نحو : ظلت ، ومست. فإن قلت : ما معنى ذكر النعاج؟ قلت : كأن تحاكمهم في نفسه تمثيلا وكلامهم تمثيلا ، لأنّ التمثيل أبلغ في التوبيخ لما ذكرنا ، وللتنبيه على أمر يستحيا من كشفه ، فيكنى عنه كما يكنى عما يستسمج الإفصاح به ، وللستر على داود عليه السلام والاحتفاظ بحرمته. ووجه التمثيل فيه أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون ، فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطه وأراده على الخروج من ملكها إليه ، وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ
__________________
(١) قوله «نحو نطع ونطع ، ولقوة ولقوة» في الصحاح : «النطع» فيه أربع لغات. وفيه «اللقوة» : داء في الوجه ، والناقة السريعة اللقاح ، والعقاب : الأنثى ، واللقوة ـ بالكسر ـ : مثله. (ع)
(٢) كأن القلب ليلة قيل يفدى |
|
بليلى العامرية أو يراح |
قطاة عزها شرك فباتت |
|
تعالجه وقد علق الجناح |
لقيص بن الملوح مجنون ليلى العامرية ، وقطاة : خبر كأن. وعزها : بمهملة فمعجمة ، بمعنى : غلبها وحبسها ، يقال : عز يعز بالكسر : تعظم ، وبالفتح : قوى. وعزه يعزه ـ بالضم ـ : غلبه ، وما هنا من الثالث : شبه قلبه حين سمع برحيلها بحمامة أمسك الشرك جناحها في كثرة الخفقان والاضطراب.