مراده ، والدليل عليه قوله (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) وإنما خص هذه القصة لما فيها من الرمز إلى الغرض بذكر النعجة. فإن قلت : إنما تستقيم طريقة التمثيل إذا فسرت الخطاب بالجدال ، فإن فسرته بالمفاعلة من الخطبة لم يستقم. قلت : الوجه مع هذا التفسير أن أجعل النعجة استعارة عن المرأة ، كما استعاروا لها الشاة في نحو قوله :
يا شاة ما قنص لمن حلّت له (١)
فرميت غفلة عينه عن شاته (٢)
وشبهها بالنعجة من قال :
كنعاج الملا تعسّفن رملا (٣)
__________________
(١) يا شاة ما قنص لمن حلت له |
|
حرمت علىّ وليتها لم تحرم |
لعنترة من معلقته يتذكر محبوبته بعد وقوع الحرب بينه وبين قبيلتها ، فلذلك حرمت عليه. وقيل : كان تزوجها أبوه فحرمت عليه ، شبهها بالشاة الوحشية في الحسن والجمال والفرة عن الرجال ، وأن كلا يصطاد بالاحتيال على طريق الاستعارة التصريحية ، وذكر القنص ترشيح ، لأنه يلائم الشاة. وما زائدة ، أى يا شاة القنص تعالى ، فهذا وقت التفكر في شأنك. وقيل : المنادى محذوف ، أى : يا قوم أحضروا شاة قنص ، وتعجبوا من حالها. والقنص : الصيد ، والقنص ـ بالتحريك ـ والقنيص : المصيد. ويروى : يا شاة من قنص ، فقيل : من زائدة ، بناء على مذهب الكوفيين ، من جواز زيادة الأسماء. وقيل : نكرة موصوفة. وقنص صفتها من باب الوصف بالمصدر ، أى : يا شاة إنسان قابص. ولمن حلت : متعلق بمحذوف صفة لها ، وحرمت على : التفات على القول بندائها ، وهو صفة لها ، أو استئناف بين به شأنها ، وتمنى عدم حرمتها : ندم على ما وقع من سبب الحرمة.
(٢) قد كنت رائدها وشاة محاذر |
|
حذر يقل بعينه إغفالها |
فظللت أرعاها وظل يحوطها |
|
حتى دنوت إذا الظلام دنا لها |
فرميت غفلة عينه عن شاته |
|
فأصبت حبة قلها وطحالها |
للأعشى. وقيل : لعمر بن أبى ربيعة. وضمير رائدها مرجعه في البيت قبله كامرأة أو مفازة ، ثم قال : ورب شاة رجل محاذر ، فاستعار الشاة للمرأة الجميلة على طريق التصريحية. والمحاذر : الذي يحاذر غيره ويخاف مكره. والحذر : كثير الحذر مستمره ، يقل : بضم أوله ، من أقل الرباعي. وإغفالها ، أى : إغفال عينه ، فظللت أراقب الشاة وظل هو يحفظها ، حتى قربت لها حين قرب الظلام ودخل الليل ، فرميت شاته حين غفلة عينه عن شاته التي كان يحفظها وفيه نوع تهكم به ، وأضاف الغفلة إلى العين دون الشخص لأنها المذكورة أولا ، وللدلالة على قصر الزمن وسرعة الظفر ، ولأن القلب لا يغفل عنها لعزتها عنده ، بل يذكرها في النوم. وأما العين فتغفل ، فأصبت حبة ملبها أى وسطه ، وأصبت طحالها ، والرمي ترشيح للاستعارة ، لأنه من ملائمات الشاة. ويصح أن يكون هذا البيت استعارة تمثيلية ، حيث شبه حالة ظفره بمراده على حين غفلة من الرقيب وإصابة أحشاء المرأة بالحب ، بحال من ظفر برمي الشاة بالسهم على غفلة من الراعي ، بل يصح أن يكون قوله : وشاة محاذر ... إلى آخر الأبيات : استعارة تمثيلية لتلك الحال ، ولا استعارة في الشاة وحدها على هذا.
(٣) قلت إذا أقبلت وزهر تهادى |
|
كنعاج الفلا تعسفن رملا |
وتنقبن بالحرير وأبدين |
|
عيونا حور المداعج نجلا |