على سد الفرات عليهم ومنعهم الماء ، وصبه في الآجام والمغايض التي في شرقي الكوفة ، ففعل ذلك ، وانقطع الماء من الفرات ، فتعاظم ذلك الكوفيون ، وسقط في أيديهم ، وأزمعوا معالجة هرثمة ومنازلته ، فبيناهم كذلك : إذ فتق السّكر الذي سكروه (١) ، وأقبل الماء تحت الخشب ، وكبروا وحمدوا الله كثيرا ، وسرّوا بما وهب الله لهم من الكفاية.
ثم إن هرثمة نهد إلى الكوفة مما يلي الرصافة.
وخرج أبو السرايا إليه في الناس فعبأهم ، وجعل على الميمنة الحسن بن الهذيل. وعلى الميسرة جرير بن الحصين ، ووقف هو في القلب.
وعبأ هرثمة خيلا نحو البر ، فبعث أبو السرايا عدتهم يسيرون بإزائهم لئلا يكونوا كمينا.
ثم إن أبا السرايا حمل حملة فيمن معه ، فانهزم أصحاب هرثمة هزيمة رقيقة ، ثم عطفوا وجوه دوابهم فنادى أبو السرايا : لا تتبعوهم فإنها خديعة ومكر ، فوقفوا وتبعهم أبو كتلة فأبعد ، ثم رجع وأعلم أبا السرايا أنهم قد عبروا الفرات ، فرجع بالناس إلى الكوفة ثم خرج يوم الاثنين لتسع خلون من ذي القعدة وخرج الناس معه. وقد كان جاسوسه أخبره أن هرثمة يريد مواقعته في ذلك اليوم ، فعبأ الناس مما يلي الرّصافة ، ومضى هو تحت القنطرة ، فلم يبعد حتى أقبلت خيل هرثمة ، فرجع أبو السرايا كالجمل الهائج يكاد الغضب أن يلقيه عن سرجه إلى الناس فقال : سووا عسكركم ، واجمعوا أمركم ، وأقيموا صفوفكم. وأقبل هرثمة فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله.
ونظر أبو السّرايا إلى روح بن الحجاج قد رجع فقال : والله لئن رجعت لأضربن عنقك ، فرجع يقاتل حتى قتل.
وقتل يومئذ الحسن بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين.
وقتل أبو كتلة غلام أبي السّرايا.
واشتدت الحرب ، وكشف أبو السرايا رأسه وجعل يقول : أيها الناس ، صبر ساعة ، وثبات قليل ، فقد ـ والله ـ فشل القوم ، ولم يبق إلّا هزيمتهم.
ثم حمل ، وخرج إليه قائد من قواد هرثمة وعليه الدرع والمغفر ، فتناوشا ساعة ، ثم ضربه أبو السرايا ضربة على بيضته فقدّه ، حتى خالط سيفه قربوس سرجه.
__________________
(١) في القاموس : «السكر : سد النهر ، وبالكسر الاسم منه».