المعتصم في داره ، ووكل به مسرور عدة من غلمانه وثقاته ، وكانت في القبة التي هو فيها محبوس عدة روازن وكوى واسعة الضوء ، فطلب مقراضا يكون عنده يقص به أظفاره ، فدفع إليه ، فعمد إلى لبد كان تحته فقطع نصفه بالمقراض وقصصه كهيئة السيور ، وعمل منه مثل السلم ، وطلب منهم سعفة ذكر أنه يريد أن يطرد بها الفأر ؛ فإنه يأكل خبزه فينجسه عليه ، فأعطوه فقطعها ، وخرز حواليها بالمقراض حتى كسرها ثلاث قطع ، وقرنها بمسواكه وجعلها في رأس السلم ، وحلّق به في أقرب روزنة من تلك الرّوازن إليه فعلق فيها ، وتسلّق عليه ، وجذبه إليه لما صعد فنجا ، وكانت ليلة الفطر من سنة تسع عشرة ومائتين ، وقد أدخلت الفواكه والرياحين وآلة العيد على رؤوس الحمالين إلى البستان ، وصار الحمالون جميعا إلى القبة التي فيها محمد بن القاسم ، فباتوا حولها ، ورموا بناتيجهم وناموا ، فرمى بنفسه من القبة إلى أسفل ، ونام بين الحمالين ، وتحركت خرزة من فقار ظهره ولم تنفك ، فنام بين الحمالين ثم عجل فأخذ بنتيجة أحدهم وذهب ليخرج فقال أحد البوابين : من أنت؟ فقال : أحد الحمالين أردت الانصراف إلى أهلي فقال له : نم عندي مكانك لا يأخذك العسس ، فنام عنده. فلما طلع الفجر خرج الحمالون ، وخرج معهم وأفلت ، فلما أصبحوا فتحوا الباب فلم يجدوه ، فأعلموا مسرورا بخبره ، فدخل على المعتصم ، حافيا مستسلما للقتل وأعلمه الخبر ، فقال له المعتصم : لا بأس عليك ، إن كان ذهب فلن يفوت ، إن ظهر أخذناه ، وإن آثر السلامة واستتر تركناه.
فقال مسرور بعد ذلك : هذا من تفضّل أمير المؤمنين عليّ ، ولو جرى هذا في أيام الرشيد لقتلني.
فقيل : إنه رجع إلى الطالقان فمات بها.
وقيل : إنه انحدر إلى واسط ، وذلك الصحيح (١).
قال محمد بن الأزهر في خبره :
__________________
(١) في مروج الذهب ٢ / ٢٤٦ «وقد تنوزع في محمد بن القاسم فمن قائل : إنه قتل بالسم ، ومنهم من يقول : إن ناسا من شيعته من الطالقان أتوا ذلك البستان فتاقوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ، واتخذوا سلالم من الحبال واللبود والطالقانية ، ونقبوا الأزج وأخرجوه ، فذهبوا به فلم يعرف له خبر إلى هذه الغاية ، وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت ، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ، ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمدا لم يمت ، وأنه حي يرزق ، وأنه يخرج فيملؤها عدلا كما ملئت جورا ، وأنه مهدي هذه الأمة ، وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان».