فرأيت محمد بن القاسم يوم أدخل إلى بغداد ، كان ربعة من الرجال أسمر ، في وجهه أثر جدري ، قد أثر السجود في وجهه.
قال : وحدثني علي بن محمد الأزدي ، والحسين بن موسى بن منير :
أنّ محمد بن القاسم لما هرب صار إلى قطيعة الربيع (١) إلى منزل منير بن موسى بن منير ، فنقله إلى منزل إبراهيم بن قيس ، فاجتمعا إليه وقالا له : إن الطلب لك سيشتد ، وليست بغداد لك بمنزل [فارحل من وقتك قبل أن يشتد عليك الطلب إلى واسط] فانحدر إلى واسط ، وقد شدّ وسطه للوهن الذي أصاب فقار ظهره ، فلما صار بواسط مات رحمة الله عليه.
قال علي بن محمد الأزدي : فحدثني ابنه علي بن محمد بن القاسم الصوفي :
أنه لما صار إلى واسط عبر بها دجلة إلى الجانب الغربي ، فنزل إلى أمّ ابن عمه ، علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ، وكانت عجوزا مقعدة ، فلما نظرت إليه وثبت فرحا به وقالت : محمد والله ، فدتك نفسي وأهلي ، الحمد لله على سلامتك ، فقامت على رجلها ، وما قامت قبل ذلك بسنين ، فأقام عندها مديدة ، ومرضته من الوهن الذي أصاب ظهره حتى مات بواسط.
وذكر أحمد بن الحرث الخرّاز :
أن محمد بن القاسم لمّا هرب عبر من الجانب الغربي ، فلما حصل في دجلة نظر فإذا معه في المعبر شيخ من الرجالة الموكلين به ، كان محمد يراه من خلف الباب فعرفه محمد ولم يعرفه الشيخ ، فلما أراد الخروج قال له
الملاح : أعطني أجري ، فحلف له ما معي شيء ، ولا يملك غير الجبة الصوف التي عليه ، فرقّ له الشيخ الموكل فأعطى الملاح أجرته من عنده.
قال أحمد :
وتوارى محمد بن القاسم أيام المعتصم ، وأيام الواثق ، ثم أخذ في أيام المتوكل ، فحمل إليه فحبس حتى مات في محبسه.
__________________
(١) لما بنى المنصور بغداد أقطع قواده ومواليه قطائع وكذلك فعل غيره من الخلفاء ، وقد أضيفت كل قطيعة إلى واحد من رجل أو امرأة. وقطيعة الربيع : منسوبة إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه ، راجع معجم البلدان ٧ / ١٢٨.