(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (٢٨)
____________________________________
من أولاد يعقوب عليهالسلام ومثله حقيق بأن يضيف ويكرم لا سيما فى دار نبى من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام وقيل ليس بمستنكر منه عليه الصلاة والسلام أن يقبل الأجر لاضطرار الفقر والفاقة وقد روى عن عطاء بن السائب أنه عليهالسلام رفع صوته بدعائه ليسمعها ولذلك قيل له ليجزيك الخ ولعله عليهالسلام إنما فعله ليكون ذريعة إلى استدعائه لا إلى استيفاء الأجر (قالَتْ إِحْداهُما) وهى التى استدعته إلى أبيها وهى التى زوجها من موسى عليهماالسلام (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أى لرعى الغنم والقيام* بأمرها (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) تعليل جار مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فى ذلك جعل خير اسما لأن وذكر الفعل على صيغة الماضى الدلالة على أنه أمين مجرب روى أن شعيبا عليهالسلام قال لها وما أعلمك بقوته وأمانته فذكرت ما شاهدت منه عليهالسلام من إقلال الحجر ونزع الدلو وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشى خلفه (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أى تكون أجيرا لى أو تثيبنى من أجرت كذا إذا أثبته إياه فقوله تعالى* (ثَمانِيَ حِجَجٍ) على الأول ظرف وعلى الثانى مفعول به على تقدير مضاف أى رعية ثمانى حجج ونقل عن المبرد أنه يقال أجرت دارى ومملوكى غير ممدود وآجرت ممدودا والأول أكثر فعلى هذا يكون المفعول* الثانى محذوفا والمعنى على أن تأجرنى نفسك وقوله تعالى (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ظرف كالوجه الأول (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) فى الخدمة والعمل (فَمِنْ عِنْدِكَ) أى فهو من عندك بطريق التفضل لا من عندى بطريق الإلزام عليك وهذا من شعيب عرض لرأيه على موسى عليهماالسلام واستدعاء منه للعقد لا إنشاء وتحقيق له بالفعل (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) بإلزام إتمام العشر أو المناقشة فى مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال واشتقاق* المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك فى إطاقته ويوزع رأيك فى مزاولته (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فى حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالعهد ومراده عليه الصلاة والسلام بالاستثناء التبرك به وتفويض أمره إلى توفيقه تعالى لا تعليق صلاحه بمشيئته تعالى (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) مبتدأ وخبر أى ذلك الذى قلته وعاهدتنى فيه وشارطتنى عليه قائم وثابت بيننا جميعا لا يخرج عنه واحد منا لا أنا عما شرطت على ولا أنت عما شرطت على نفسك وقوله تعالى (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) أى* أكثرهما أو أقصرهما (قَضَيْتُ) أى وفتيكه بأداء الخدمة فيه (فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) تصريح بالمراد وتقرير لأمر الخيرة أى لا عدوان على بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين وتعميم انتفاء العدوان لكلا الأجلين بصدد المشارطة مع عدم تحقق العدوان في أكثرهما رأسا للقصد إلى التسوية بينهما فى الانتفاء