(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤)
____________________________________
حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها أولى* وقرىء أذن له مبنيا للمفعول (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) أى قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين وأما الكفرة فهم من موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل والتفزيع إزالة الفزع ثم ترك ذكر الفزع وأسند الفعل إلى الجار والمجرور وحتى غاية لما ينبىء عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع الإذن لمن أذن له فإنه مسبوق بالاستئذان المستدعى للترقب والانتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم فقيل يتربصون فى موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع مليا حتى إذا* أزيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتا والتى وظهرت لهم تباشير الإجابة (قالُوا) أى المشفوع لهم إذ هم المحتاجون إلى الإذن والمهتمون بأمره (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) أى فى شأن الإذن (قالُوا) أى الشفعاء لأنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون بينهم وبينه عزوجل بالشفاعة (الْحَقَّ) أى قال ربنا القول الحق وهو* الإذن فى الشفاعة للمستحقين لها وقرىء الحق مرفوعا أى ما قاله الحق (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) من تمام كلام الشفعاء قالوه اعترافا بغاية عظمة جناب العزة عزوجل وقصور شأن كل من سواه أى هو المتفرد بالعلو والكبرياء ليس لأحد من أشراف الخلائق أن يتكلم إلا بإذنه وقرىء فزع مخففا بمعنى فزع وقرىء فزع على البناء للفاعل وهو الله وحده وقرىء فرغ بالراء المهملة والغين المعجمة أى نفى الوجل عنها وأفنى من فرغ الزاد إذا لم يبق منه شىء وهو من الإسناد المجازى لأن الفراغ وهو الخلو حال ظرفه عند نفاده فأسند إليه على عكس قولهم جرى النهر وعن الحسن تخفيف الراء وأصله فرغ الرجل عنها أى انتفى عنها وفنى ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور وبه يعرف حال التفريغ وقرىء ارتفع عن قلوبهم بمعنى انكشف عنها (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أمر صلىاللهعليهوسلم بتبكيت المشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما وأن الرازق هو الله تعالى فإنهم لا ينكرونه كما ينطق به قوله تعالى (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ) وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا فى الجواب مخافة* الإلزام قيل له صلىاللهعليهوسلم (قُلِ اللهُ) إذ لا جواب سواه عندهم أيضا (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أى وإن أحد الفريقين من الذين يوحدون المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية ويخصونه بالعبادة والذين يشركون به فى العبادة الجماد النازل فى أدنى المراتب الإمكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبين وهذا بعد ما سبق من التقرير البليغ الناطق بتعيين من هو على الهدى ومن هو فى الضلال أبلغ من التصريح بذلك لجريانه على سنن الإنصاف المسكت للخصم الألد وقرىء وإنا أو إياكم إما على هدى أو فى ضلال مبين واختلاف الجارين للإيذان بأن الهادى كمن استعلى منارا ينظر الأشياء ويتطلع