(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٩)
____________________________________
تخلقون خلقا جديدا للإشباع فى الاستبعاد والتعجب وكذلك تقديم الظرف والعامل فيه ما دل عليه المذكور لا نفسه لما أن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها وجديد فعيل بمعنى فاعل من جد فهو جديد وقل فهو قليل وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه ثم شاع (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فيما قاله (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أى جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه والاستدلال بهذا الترديد على أن بين الصدق والكذب واسطة هو ما لا يكون من الأخبار عن بصيرة بين الفساد لظهور كون الافتراء أخص من الكذب (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) جواب من جهة الله تعالى عن ترديدهم الوارد على طريقة الاستفهام بالإضراب عن شقيه وإبطالهما وإثبات قسم ثالث كاشف عن حقيقة الحال ناع عليهم سوء حالهم وابتلاءهم بما قالوا فى حقه صلىاللهعليهوسلم كأنه قيل ليس الأمر كما زعموا بل هم فى كمال اختلال العقل وغاية الضلال عن الفهم والإدراك الذى هو الجنون حقيقة وفيما يؤدى إليه ذلك من العذاب ولذلك يقولون ما يقولون وتقديم العذاب على ما يوجبه ويستتبعه للمسارعة إلى بيان ما يسوؤهم ويفت فى أعضادهم والإشعار بغاية سرعة ترتبه عليه كأنه يسابقه فيسبقه ووصف الضلال بالبعد الذى هو وصف الضال للمبالغة ووضع الموصول موضع ضميرهم للتنبيه بما فى حيز الصلة على أن علة ما ارتكبوه واجترءوا عليه من الشناعة الفظيعة كفرهم بالآخرة وما فيها من فنون العقاب ولولاه لما فعلوا ذلك خوفا من غائلته وقوله تعالى (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) استئناف مسوق لتهويل ما اجترءوا عليه من تكذيب آيات الله تعالى واستعظام ما قالوا فى حقه صلىاللهعليهوسلم وأنه من العظائم الموجبة لنزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب من غير ريث وتأخير والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام وقوله تعالى (إِنْ نَشَأْ) الخ بيان لما* ينبىء عنه ذكر إحاطتهما بهم من المحذور المتوقع من جهتهما وفيه تنبيه على أنه لم يبق من أسباب وقوعه إلا تعلق المشيئة به أى أفعلوا ما فعلوا من المنكر الهائل المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفر لهم عنه ولا محيص إن نشأ جريا على موجب جناياتهم (نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) * كما خسفناها بقارون (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) أى قطعا (مِنَ السَّماءِ) كما أسقطناها على أصحاب الأيكة* لاستيجابهم ذلك بما ارتكبوه من الجرائم وقيل هو تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرته وما يحتمل فيه إزاحة لاستحالتهم البعث حتى جعلوه افتراء وهزءا وتهديد عليها والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أهم أشد خلقا أم هى وإن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات فتأمل وكن على الحق المبين وقرىء يخسف