(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٤٤)
____________________________________
سميناهم أئمة دعاة إلى النار كما فى قوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) فالأنسب حينئذ أن يكون الجعل بعدهم فيما بين الأمم وتكون الدعوة إلى نفس النار وقيل معنى الجعل منع الألطاف الصارفة عن ذلك (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) طردا وإبعادا من الرحمة ولعنا من اللاعنين حيث لا يزال يلعنهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام والمؤمنون خلفا عن سلف (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) من المطرودين المبعدين وقيل من الموسومين بعلامة منكرة كزرقة العيون وسواد الوجه قاله ابن عباس رضى الله عنهما يقال قبحه الله وقبحه إذا جعله قبيحا وقال أبو عبيدة من المقبوحين من المهلكين ويوم القيامة إما متعلق بالمقبوحين على أن اللام للتعريف لا بمعنى الذى أو بمحذوف يفسره ذلك كأنه قيل وقبحوا يوم القيامة نجو لعملكم من القالين (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أى التوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) هم أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهمالسلام والتعرض لبيان كون إيتائها بعد إهلاكهم للإشعار بمساس الحاجة الداعية إليه تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن إهلاك القرون الأولى من مواجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها وأحكامها المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم المستدعيين للتشريع الجديد بتقرير الأصول الباقية على مر الدهور وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة للاعتبار كأنه قيل ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إلى إيتائها (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أى أنوارا لقلوبهم تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عميا عن الفهم والإدراك بالكلية فإن البصيرة نور القلب الذى به يستبصر كما أن البصر نور العين الذى به تبصر (وَهُدىً) أى هداية إلى الشرائع والأحكام التى هى سبل الله تعالى (وَرَحْمَةً) حيث ينال من عمل به رحمة الله تعالى وانتصاب الكل على الحالية من الكتاب على أنه نفس البصائر والهدى والرحمة أو على حذف المضاف أى ذا بصائر الخ وقيل على العلة أى آتيناه الكتاب للبصائر والهدى والرحمة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ليكونوا على حال يرجى منه التذكر وقد مر تحقيق القول فى ذلك عند قوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) من سورة البقرة وقوله تعالى (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) شروع فى بيان أن إنزال القرآن الكريم أيضا واقع فى زمان شدة مساس الحاجة إليه واقتضاء الحكمة له البتة وقد صدر بتحقيق كونه وحيا صادقا من عند الله عزوجل ببيان أن الوقوف على ما فصل من الأحوال لا يتسنى