(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (٤١)
____________________________________
مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) يريد به نفسه وقرىء قال بغير واو لأنه جواب عن مقألهم ووجه العطف أن المراد حكاية القولين ليوازن السامع بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أى العاقبة المحمودة في الدار وهى الدنيا وعاقبتها الأصلية هى الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة ومزرعة لها والمقصود بالذات منها الثواب وأما العقاب فمن نتائج أعمال العصاة وسيئات الغواة وقرىء يكون بالياء التحتانية (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أى لا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) قاله اللعين بعد ما جمع السحرة وتصدى للمعارضة فكان من أمرهم ما كان (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أى اصنع آجرا (فَاجْعَلْ لِي) منه (صَرْحاً) أى قصرا رفيعا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما فى السماء يمكن الرقى إليه ثم قال (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أو أراد أن يبنى له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثة رسول وتبدل دولته وقيل المراد بنفى العلم نفى المعلوم كما فى قوله تعالى (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) فإن معناه بما ليس فيهن وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها انتفاء معلوماتها ولا كذلك العلوم الانفعالية قيل أول من اتخذ الآجر فرعون ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم ولذلك نادى هامان باسمه بيافى وسط الكلام (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) بغير استحقاق (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) بالبعث للجزاء وقرىء بفتح الياء وكسر الجيم من رجع رجوعا والأول من رجع رجعا وهو الأنسب بالمقام (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ) عقيب ما بلغوا من الكفر والعتو أقصى الغايات (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) قد مر تفصيله وفيه من تفخيم شأن الأخذ وتهويله واستحقار المأخوذين المنبوذين مالا يخفى كأنه تعالى أخذهم مع كثرتهم فى كف وطرحهم فى البحر ونظيره قوله تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) وبينها للناس ليعتبروا بها (وَجَعَلْناهُمْ) أى صيرناهم فى عهدهم (أَئِمَّةً يَدْعُونَ) الناس (إِلَى النَّارِ) إلى ما يؤدى إليها من الكفر والمعاصى أى قدوة يقتدى بهم أهل الضلال لما صرفوا اختيارهم إلى تحصيل تلك الحالة وقيل