(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً) (٤٠)
____________________________________
يقتضيه المقام والفاء فى قوله تعالى (فَذُوقُوا) لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجىء النذير وفى قوله تعالى (فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) للتعليل (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بالإضافة وقرىء بالتنوين ونصب غيب على المفعولية أى لا يخفى عليه خافية فيهما فلا تخفى عليه أحوالهم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) قيل إنه تعليل لما قبله لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهى أخفى ما يكون كان أعلم بغيرها (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) يقال للمستخلف خليفة وخليف والأول يجمع خلائف والثانى خلفاء والمعنى أنه تعالى جعلكم خلفاءه فى أرضه وألقى إليكم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح لكم منافعها أو جعلكم خلفاء ممن قبلكم من الأمم وأورثكم ما بأيديهم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة (فَمَنْ كَفَرَ) منكم مثل هذه النعمة السنية وغمطها (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أى وبال كفره لا يتعداه إلى غيره وقوله تعالى (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) بيان لوبال الكفر وغائلته وهو مقت الله تعالى إياهم أى بغضه الشديد الذى ليس وراءه خزى وصغار وخسار الآخرة الذى ما بعده شر وخسار والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على أن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والأصالة (قُلْ) تبكيتا لهم (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أى آلهتكم والإضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء لله تعالى من غير أن يكون له أصل ما أصلا وقيل جعلوهم شركاء لأنفسهم فيما يملكونه ويأباه سباق النظم الكريم وسياقه (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) بدل اشتمال من أرأيتم كأنه قيل أخبرونى عن شركائكم أرونى أى جزء خلقوا من الأرض (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أى أم لهم شركة مع الله سبحانه فى خلق السموات ليستحقوا بذلك شركة فى الألوهية ذاتية (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) ينطق بأنا اتخذناهم شركاء (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) أى حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ويجوز أن يكون ضمير آتيناهم للمشركين كما فى قوله تعالى (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) الخ وقرىء على بينات وفيه إيماء إلى أن الشرك أمر خطير لا بد فى إثباته من تعاضد الدلائل (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) لما نفى أنواع الحجج فى ذلك أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الأسلاف للأخلاف وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقريب إليه.