(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٣٨)
____________________________________
عملت بلاهاء فإن حذف العائد من الصلة أحسن من الحذف من غيرها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) إنكار واستقباح* لعدم شكرهم للنعم المعدودة والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أيرون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرونها (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره على آلائه المذكورة واستعظام ما ذكر فى حيز صلة من بدائع آثار قدرته وأسرار حكمته وروائع نعمائه الموجبة للشكر وتخصيص العبادة به والتعجيب من إخلالهم بذلك والحالة هذه وسبحان علم للتسبيح الذى هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا أى اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح فى الأرض والماء إذا أبعد فيهما وأمعن ومنه فرس سبوح أى واسع الجرى وانتصابه على المصدرية ولا يكاد يذكر ناصبه أى أسبح سبحانه أى أنزهه عما لا يليق به عقدا وعملا تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه وفيه مبالغة من جهة الاشتقاق من السبح ومن جهة النقل إلى التفعيل ومن جهة العدول عن المصدر الدال على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما العلم المشير إلى الحقيقة الحاضرة فى الذهن ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل وقيل هو مصدر كغفران أريد به التنزه التام والتباعد الكلى عن السوء ففيه مبالغة من جهة إسناد التنزه إلى الذات المقدسة فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به تنزها خاصا به فالجملة على هذا إخبار من الله تعالى بتنزهه وبراءته عن كل مالا يليق به مما فعلوه وما تركوه وعلى الأول حكم منه عزوجل بذلك وتلقين للمؤمنين أن يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه والمراد بالأزواج الأصناف والأنواع (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) بيان لها والمراد به كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة* وغيرها (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) أى خلق الأزواج من أنفسهم أى الذكر والأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أى* والأزواج مما لم يطلعهم الله تعالى على خصوصياته لعدم قدرتهم على الإحاطة بها ولما لم يتعلق بذلك شىء من مصالحهم الدينية والدنيوية وإنما أطلعهم على ذلك بطريق الإجمال على منهاج قوله تعالى (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) لما نيط به وقوفهم على عظم قدرته وسعة ملكه وسلطانه (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر كما مر وقوله تعالى (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) جملة مبينة لكيفية كونه آية أى نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من السلخ وهو إزالة ما بين الحيوان وجلده من الاتصال والأغلب فى الاستعمال تعليقه بالجلد يقال سلخت الإهاب من الشاة وقد يعكس ومنه الشاة المسلوخة (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) أى داخلون فى الظلام مفاجأة وفيه رمز إلى أن الأصل هو الظلام والنور عارض (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) لحد معين ينتهى إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه توجد أبطأ