(إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (٥٥)
____________________________________
هب بنا فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير قيل فيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما وعن مجاهد أن للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور يقولون ذلك وعن ابن عباس وأبى بن كعب وقتادة رحمهمالله تعالى أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا من أهوال القيامة ما شاهدوا دعوا بالويل وقالوا ذلك وقيل إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب يصير عذاب القبر فى جنبها مثل النوم فيقولون ذلك وقرىء من بعثنا ومن هبنا بمن الجارة والمصدر والمرقد إما مصدر أى من رقادنا أو اسم مكان أريد* به الجنس فينتظم مراقد الكل (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) جملة من مبتدأ وخبر وما موصولة محذوفة العائد أو مصدرية وهو جواب من قبل الملائكة أو المؤمنين عدل به عن سنن سؤالهم تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها على أن الذى يهمهم هو السؤال عن نفس البعث ماذا هو دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذى وعدكم ذلك فى كتبه وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم فيه وليس الأمر كما تتوهمونه حتى تسألوا عن الباعث وقيل هو من كلام الكافرين حيث يتذكرون ما سمعوه من الرسل عليهم الصلاة والسلام فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا وقيل هذا صفة لمرقدنا وما وعد الخ خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أى ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق (إِنْ كانَتْ) أى ما كانت النفخة التى حكيت آنفا (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) حصلت من نفخ إسرافيل عليهالسلام فى الصور (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ) أى مجموع (لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) من غير لبث ما طرفة عين وفيه من تهوين أمر البعث والحشر والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ) من النفوس برة كانت أو فاجرة (شَيْئاً) من الظلم (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى إلا جزاء ما كنتم تعملونه فى الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصى على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شىء واحد أو إلا بما كنتم تعملونه أى بمقابلته أو بسببه وتعميم الخطاب للمؤمنين يرده أنه تعالى يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة وهذه حكاية لما سيقال لهم حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم وقوله تعالى (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الإخبار بحسن حال أعدائهم إثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفى هذه الحكاية مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة إلى الاقتداء بسيرة المؤمنين والشغل هو الشأن الذى يصد المرء ويشغله عما سواه من شئونه لكونه أهم عنده من الكل إما لإيجابه كمال المسرة