(وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٦)
____________________________________
حسبما ينطق به قوله تعالى (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) الخ فإن الفاء فيه لتفريع أحكام التذليل عليه وتفصيلها أى فبعض منها ركوبهم أى مركوبهم أى معظم منافعها الركوب وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمات الركوب وقرىء ركوبتهم وهى بمعناه كالحلوب والحلوبة وقيل الركوبة اسم جمع وقرىء ركوبهم أى ذو ركوبهم (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أى وبعض منها يأكلون لحمه (وَلَهُمْ فِيها) أى فى الأنعام بكلا قسميها (مَنافِعُ) أخر غير الركوب والأكل كالجلود والأصواف والأوبار وغيرها وكالحراثة بالثيران (وَمَشارِبُ) من اللبن جمع مشرب وهذا مجمل ما فصل فى سورة النحل (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أى أيشاهدون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أى متجاوزين الله تعالى الذى شاهدوا تفرده بتلك القدرة الباهرة وتفضله عليهم بهاتيك النعم المتظاهرة (آلِهَةً) من الأصنام وأشركوها به تعالى فى العبادة (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) رجاء أن ينصروا من جهتهم فيما حزبهم من الأمور أو يشفعوا لهم فى الآخرة وقوله تعالى (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) الخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أى لا تقدر آلهتهم على نصرهم (وَهُمْ) أى المشركون (لَهُمْ) أى لآلهتهم (جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يشيعونهم عند مساقهم إلى النار وقيل معدون فى الدنيا لحفظهم وخدمتهم والذب عنهم ولا يساعده مساق النظم الكريم فإن الفاء فى قوله تعالى (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) لترتيب النهى على ما قبله فلا بد أن يكون عبارة عن خسرانهم وحرمانهم عما علقوا به أطماعهم الفارغة وانعكاس الأمر عليهم بترتيب الشر على ما رتبوه لرجاء الخير فإن ذلك مما يهون الخطب ويورث السلوة وأما كونهم معدين لخدمتهم وحفظهم فبمعزل من ذلك والنهى وإن كان بحسب الظاهر متوجها إلى قولهم لكنه فى الحقيقة متوجه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونهى له عليهالسلام عن التأثر منه بطريق الكناية على أبلغ وجه وآكده فإن النهى عن أسباب الشىء ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهانى وإبطال للسببية وقد يوجه النهى إلى المسبب ويراد النهى عن السبب كما فى قوله لا أرينك ههنا يريد به نهى مخاطبه عن الحضور لديه والمراد بقولهم ما ينبىء عنه ما ذكر من اتخاذهم الأصنام آلهة فإن ذلك مما لا يخلو عن التفوه بقولهم هؤلاء آلهتنا وأنهم شركاء لله سبحانه فى المعبودية وغير ذلك مما يورث الحزن وقرىء يحزنك بضم الياء وكسر الزاى من أحزن المنقول من حزن اللازم وقوله تعالى (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) تعليل صريح للنهى بطريق الاستئناف بعد* تعليله بطريق الإشعار فإن العلم بما ذكر مستلزم للمجازاة قطعا أى إنا نجازيهم بجميع جناياتهم الخافية