(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) (٧٢)
____________________________________
المطلب وقوله صلىاللهعليهوسلم هل أنت إلا أصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت فمن قبيل الاتفاقات الواردة من غير قصد إليها وعزم على ترتيبها وقيل الضمير فى له للقرآن أى وما ينبغى للقرآن أن يكون شعرا (إِنْ هُوَ) أى ما القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) أى عظة من الله عزوجل وإرشاد للثقلين كما قال تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أى كتاب سماوى بين كونه كذلك أو فارق بين الحق والباطل يقرأ فى المحاريب ويتلى فى المعابد وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين فكم بينه وبين ما قالوا (لِيُنْذِرَ) أى القرآن أو الرسول صلىاللهعليهوسلم ويؤبده القراءة بالتاء وقرىء لينذر من نذر به أى علمه ولينذر مبنيا للمفعول من الإنذار (مَنْ كانَ حَيًّا) أى عاقلا متأملا فإن الغافل بمنزلة الميت أو مؤمنا فى علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالإيمان وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع به (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) أى تجب كلمة العذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) المصرين على الكفر وفى إيرادهم بمقابلة من كان حيا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها التى هى المعرفة أموات فى الحقيقة (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أى ألم يتفكروا أو ألم يلاحظوا ولم يعلموا علما يقينيا متاخما للمعاينة (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) أى لأجلهم وانتفاعهم (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) أى مما تولينا إحداثه بالذات وذكر الأيدى وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة فى الاختصاص والتفرد بالإحداث والاعتناء به (أَنْعاماً) مفعول خلقنا وتأخيره عن الجارين المتعلقين به مع أن حقه التقدم عليهما لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة له فيتمكن عند وروده عليها فضل تمكن لا سيما عند كون المقدم منبئا عن كون المؤخر أمرا نافعا خطيرا كما فى النظم الكريم فإن الجار الأول المعرب عن كون المؤخر من منافعهم والثانى المفصح عن كونه من الأمور الخطيرة يزيدان النفس شوقا إليه ورغبة فيه ولأن فى تأخيره جمعا بينه وبين أحكامه المتفرعة عليه بقوله تعالى (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) الآيات الثلاث أى فملكناها إياهم وإيثار الجملة الاسمية على ذلك الدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها واللام متعلقة بمالكون مقوية لعمله أى فهم مالكون لها بتمليكنا إياها لهم متصرفون فيها بالاستقلال مختصون بالانتفاع بها لا يزاحمهم فى ذلك غيرهم أو قادرون على ضبطها متمكنون من التصرف فيها بأقدارنا وتمكيننا وتسخيرنا إياها لهم كما فى قول من قال[أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا] والأول هو الأظهر ليكون قوله تعالى (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) تأسيسا لنعمة على حيالها لا تتمة لما قبلها أى صيرناها منقادة لهم بحيث لا تستعصى عليهم فى شىء مما يريدون بها حتى الذبح