(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٦٩)
____________________________________
الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه بحسب المقام كما مر فى قوله تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أى فأرادوا أن يستبقوا إلى الطريق الذى اعتادوا سلوكه على أن انتصابه بنزع الجار أو هو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو بالظرفية (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) الطريق وجهة السلوك (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) بتغيير صورهم وإبطال قواهم (عَلى مَكانَتِهِمْ) أى مكانهم إلا أن المكانة أخص كالمقامة والمقام وقرىء على مكاناتهم أى لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا رجوع وذلك قوله تعالى (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) أى ولا رجوعا فوضع موضعه الفعل لمراعاة الفاصلة عن ابن عباس رضى الله عنهما قردة وخنازير وقيل حجارة وعن قتادة لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم وقرىء مضيا بكسر الميم وفتحها وليس مساق الشرطيتين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان أنهم بما هم عليه من الكفر ونقض العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دمار أمثالهم احفاء بأن يفعل بهم فى الدنيا تلك العقوبة كما فعل بهم فى الآخرة عقوبة الختم وأن المانع من ذلك ليس إلا عدم تعلق المشيئة الإلهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ جريا على موجب جناياتهم المستدعية لها لفعلناها ولكنا لم نشأها جريا على سنن الرحمة والحكمة الداعيتين إلى إمهالهم (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) أى نطل عمره (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) أى نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه أولا فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقص بنيته ويتغير شكله وصورته حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبى فى ضعف الجسد وقلة العقل والخلو عن الفهم والإدراك وقرىء ننكسه من الثلاثى المجرد وننكسه من الإنكاس (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أى أيرون ذلك فلا يعقلون أما من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما تعقلون بالتاء لجرى الخطاب قبله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) رد وإبطال لما كانوا يقولونه فى حقه صلىاللهعليهوسلم من أنه شاعر وما يقوله شعر أى ما علمناه الشعر بتعليم القرآن على معنى أن القرآن ليس بشعر فإن الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات وأوهام واهية فأين ذلك من التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والأحكام الباهرة الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة ومن أين اشتبه عليهم الشئون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله أنى يؤفكون (وَما يَنْبَغِي لَهُ) وما يصح له الشعر ولا يتأتى له لو طلبه أى جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له كما جعلناه أميا لا يهتدى للخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله صلىاللهعليهوسلم أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد