(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) (٦٦)
____________________________________
كثيرا عن ذلك الصراط المستقيم الذى أمرتكم بالثبات عليه فأصابهم لأجل ذلك ما أصابهم من العقوبات الهائلة التى ملأ الآفاق أخبارها وبقى مدى الدهر آثارها والفاء فى قوله تعالى (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم أو فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العقاب وقوله تعالى (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) استئناف يخاطبون به بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عند إشرافهم على شفير جهنم أى كنتم توعدونها على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بمقابلة عبادة الشيطان مثل قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وقوله تعالى (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) وقوله تعالى (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) وغير ذلك مما لا يحصى وقوله تعالى (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أمر تنكيل وإهانة كقوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الخ أى ادخلوها من فوق وقاسوا فنون عذابها اليوم بكفركم المستمر فى الدنيا وقوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) أى ختما يمنعها عن الكلام التفات إلى الغيبة للإيذان بأن ذكر أحوالهم القبيحة استدعى أن يعرض عنهم ويحكى أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماء إلى* أن ذلك من مقتضيات الختم لأن الخطاب لتلقى الجواب وقد انقطع بالكلية وقرىء تختم (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فيشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم وفى الحديث يقول العبد يوم القيامة إنى لا أجيز على شاهدا إلا من نفسى فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل وقيل تكليم الأركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصى عليها وقرىء وتتكلم أيديهم وقرىء ولتكلمنا أيديهم وتشهد بلام كى والنصب على معنى ولذلك نختم على أفواههم وقرىء ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الأمر والجزم (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) الطمس تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة التى هى وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء أى لو نشاء أن نطمس على أعينهم لفعلناه وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضى لإفادة أن عدم الطمس على أعينهم لاستمرار عدم المشيئة فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضى ليس بنص فى إفادة انتفاء استمرار