(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) (٩٠)
____________________________________
كان بينهما إلا نبيان هود وصالح عليهمالسلام وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة (إِذْ جاءَ رَبَّهُ) منصوب باذكر أو متعلق بما فى الشيعة من معنى المشايعة (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أى من آفات القلوب أو من العلائق الشاغلة عن التبتل إلى الله عزوجل ومعنى المجىء به ربه إخلاصه له كأنه جاء به متحفا إياه بطريق التمثيل (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ) بدل من الأولى أو ظرف لجاء أو لسليم أى أى شىء تعبدونه (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) أى أتريدون آلهة من دون الله إفكا أى للإفك فقدم المفعول على الفعل للعناية ثم المفعول له على المفعول به لأن الأهم مكافحتهم بأنهم على إفك وباطل فى شركهم ويجوز أن يكون إفكا مفعولا به بمعنى أتريدون إفكا ثم يفسر الإفك بقوله آلهة من دون الله دلالة على أنها إفك فى نفسها للمبالغة أو يراد بها عبادتها بحذف المضاف ويجوز أن يكون حالا بمعنى آفكين (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) أى بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته خاصة وأشركتم به أخس مخلوقاته أو فما ظنكم به أى شىء هو من الأشياء حتى جعلتم الأصنام له أندادا أو فما ظنكم به ما ذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم بعد ما فعلتم ما فعلتم من الإشراك به (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) قيل كانت له عليه الصلاة والسلام حمى لها نوبة معينة فى بعض ساعات الليل فنظر ليعرف هل هى تلك الساعة فإذا هى قد حضرت (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) وكان صادقا فى ذلك فجعله عذرا فى تخلفه عن عيدهم وقيل أراد إنى سقيم القلب لكفركم وقيل نظر فى علمها أو فى كتبها أو فى أحكامها ولا منع من ذلك حيث كان قصده عليه الصلاة والسلام إيهامهم حين أرادوا أن يخرجوا به عليه الصلاة والسلام إلى معيدهم ليتركوه فإن القوم كانوا نجامين فأوهمهم أنه قد استدل بأمارة فى النجوم على أنه سقيم أى مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الأسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى معبدهم وتركوه فى بيت الأصنام وذلك قوله تعالى (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) أى هاربين مخافة العدوى.