(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢)
____________________________________
أوليا مع ما فيه من تحقيق الحق ببيان أن جميع ما يعملونه كائنا ما كان مخلوق له سبحانه وقيل ما مصدرية أى عملكم على أنه بمعنى المفعول وقيل بمعناه فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) أى فى النار الشديدة الاتقاد من الجحمة وهى شدة التأجج واللام عوض من المضاف إليه أى جحيم ذلك البنيان وقد ذكر كيفية بنائهم له فى سورة الأنبياء (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) فإنه عليه الصلاة والسلام لما قهرهم بالحجة والقمهم الحجر قصدوا ما قصدوا لئلا يظهر للعامة عجزهم (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه عليه الصلاة والسلام بجعل النار عليه بردا وسلاما (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) أى مهاجر إلى حيث أمرنى ربى كما قال إنى مهاجر إلى ربى وهو الشام أو إلى حيث أتجرد فيه لعبادته تعالى (سَيَهْدِينِ) أى إلى ما فيه صلاح دينى أو إلى مقصدى وبت القول بذلك لسبق الوعد أو لفرط توكله أو للبناء على عادته تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى عليهالسلام حيث قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل ولذلك أتى بصيغة التوقع (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) أى بعض الصالحين يعيننى على الدعوة والطاعة ويؤنسنى فى الغربة يعنى الولد لأن لفظ الهبة على الإطلاق خاص به وإن كان قد ورد مقيدا بالأخوة فى قوله تعالى (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) ولقوله تعالى (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) فإنه صريح فى أن المبشر به عين ما استوهبه عليه الصلاة والسلام ولقد جمع فيه بشارات ثلاث بشارة أنه غلام وأنه يبلع أوان الحلم وأنه يكون حليما وأى حلم يعادل حلمه عليه الصلاة والسلام حين عرض عليه أبوه الذبح فقال يأبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين وقيل ما نعت الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأقل ممانعتهم بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه فإنه تعالى نعتهما به وحالهما المحكية بعد أعدل بينة بذلك والفاء فى قوله تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) فصيحة معربة عن مقدر قد حذف تعويلا على شهادة الحال وإيذانا بعدم الحاجة إلى التصريح