(إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢٤)
____________________________________
(إِنَّ هذا أَخِي) استئناف لبيان ما فيه الخصومة أى أخى فى الدين أو فى الصحبة والتعرض لذلك تمهيد لبيان كمال قبح ما فعل به صاحبه (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) هى الأنثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة والكناية والتعريض أبلغ فى المقصود وقرىء تسع وتسعون بفتح التاء ونعجة بكسر النون وقرىء ولى نعجة بسكون الياء (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أى ملكنيها وحقيقته اجعلنى أكفلها كما أكفل ما تحت يدى وقيل اجعلها كفلى أى نصيبى (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أى غلبنى فى مخاطبته إياى محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده أو فى مغالبته إياى فى الخطبة يقال خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبنى خطابا أى غالبنى فى الخطبة فغلبنى حيث زوجها دونى وقرىء وعازنى أى غالبنى وعزنى بتخفيف الزاى طالبا للخفة وهو تخفيف غريب كأنه قيس على ظلت ومست (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) جواب قسم محذوف قصد به عليه الصلاة والسلام المبالغة فى إنكار فعل صاحبه وتهجين طمعه فى نعجة من ليس له غيرها مع أن له قطيعا منها ولعله عليه الصلاة والسلام قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما ادعاه عليه أو بناه على تقدير صدق المدعى والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة والضم (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) أى الشركاء الذين خلطوا أموالهم (لَيَبْغِي) ليتعدى وقرىء بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة (بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) غير مراع لحق الصحبة والشركة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) منهم فإنهم يتحامون عن البغى والعدوان (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) أى وهم قليل وما مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم والجملة اعتراض (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) * الظن مستعار للعلم الاستدلالى لما بينهما من المشابهة الظاهرة أى علم بما جرى فى مجلس الحكومة وقيل لما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ثم صعدا إلى السماء حيال وجهه فعلم عليه الصلاة والسلام أنه تعالى ابتلاه وليس المعنى على تخصيص الفتنة به عليه الصلاة والسلام دون غيره بتوجيه القصر المستفاد من كلمة إنما إلى المفعول بالقياس إلى مفعول آخر كما هو الاستعمال الشائع الوارد على توجيه القصر إلى متعلقات الفعل وقيوده باعتبار النفى فيه والإثبات فيها كما فى مثل قولك إنما ضربت زيدا وإنما ضربته تأديبا بل على تخصيص حاله عليه الصلاة والسلام بالفتنة بتوجيه القصر إلى نفس الفعل بالقياس إلى ما يغايره من الأفعال لكن لا باعتبار النفى والإثبات معا فى خصوصية الفعل فإنه غير ممكن قطعا بل باعتبار النفى فيما فيه من معنى مطلق الفعل واعتبار الإثبات فيما يقارنه من المعنى المخصوص فإن كل فعل من الأفعال المخصوصة ينحل