(فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (٢٧)
____________________________________
(فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أى ما استغفر منه وروى أنه عليه الصلاة والسلام بقى ساجدا أربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه إلا الصلاة مكتوبة أو لما لا بد منه ولا يرقا دمعه حتى نبت منه العشب إلى رأسه ولم يشرب ماء إلا ثلثاه دمع وجهد نفسه راغبا إلى الله تعالى فى العفو عنه حتى كاد يهلك واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له أيشا على ملكه ودعا إلى نفسه فاجتمع إليه أهل الزيغ من بنى إسرائيل فلما غفر له حاربه فهزمه (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) لقرابة وكرامة بعد المغفرة (وَحُسْنَ مَآبٍ) حسن مرجع فى الجنة (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) إما حكاية لما خوطب به عليه الصلاة والسلام مبينة لزلفاه عنده عزوجل وإما مقول قول مقدر هو معطوف على غفرنا أو حال من فاعله أى وقلنا له أو قائلين له يا داود الخ أى استخلفناك على الملك فيها والحكم فيما بين أهلها أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق وفيه دليل بين على أن حاله عليه الصلاة والسلام بعد التوبة كما كانت قبلها لم تتغير قط (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) بحكم الله تعالى فإن الخلافة بكلا معنييه مقتضية له حتما (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) أى هوى النفس فى الحكومات وغيرها من أمور الدين والدنيا (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بالنصب على أنه جواب النهى وقيل هو مجزوم بالعطف على النهى مفتوح لالتقاء الساكنين أى فيكون الهوى أو اتباعه سببا لضلالك عن دلائله التى نصها على الحق تكوينا وتشريعا وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) تعليل لما قبله ببيان غائلته وإظهار سبيل الله فى موقع الإضمار لزيادة التقرير والإيذان بكمال شناعة الضلال عنه (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) * جملة من خبر ومبتدأ وقعت خبرا لأن أو الظرف خبر لأن وعذاب مرتفع على الفاعلية بما فيه من معنى الاستقرار (بِما نَسُوا) بسبب نسيانهم وقوله تعالى (يَوْمَ الْحِسابِ) إما مفعول لنسوا فيكون تعليلا* صريحا لثبوت العذاب الشديد لهم بنسيان يوم الحساب بعد الإشعار بعلية ما يستتبعه ويستلزمه أعنى الضلال عن سبيل الله تعالى فإنه مستلزم لنسيان يوم الحساب بالمرة بل هذا فرد من أفراده أو ظرف لقوله تعالى (لَهُمْ) أى لهم عذاب شديد يوم القيامة بسبب نسيانهم الذى هو عبارة عن ضلالهم ومن ضرورته أن يكون مفعوله سبيل الله فيكون التعليل المصرح به حينئذ عين التعليل المشعر به بالذات غيره بالعنوان ومن لم يتنبيه لهذا السر السرى قال بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن السبيل فإن تذكره يقتضى ملازمة الحق ومخالفة الهوى فتدبر (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) كلام مستأنف مقرر لما قبله