(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) (٧٥)
____________________________________
لأوصافه من التغير والاسوداد والمسنونية اكتفاء بما ذكر فى مواقع أخر (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أى صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية أو سوبت أجزاء بدنه بتعديل طائعه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) النفخ إجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها أى فإذا كملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح التى هى من أمرى (فَقَعُوا لَهُ) أمر من وقع وفيه دليل على أن المأمور به ليس مجرد الانحناء كما قيل أى اسقطوا له (ساجِدِينَ) تحية له وتكريما (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) أى فخلفه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة (كُلُّهُمْ) بحيث لم يبق منهم أحد إلا سجد (أَجْمَعُونَ) أى بطريق المعية بحيث لم يتأخر فى ذلك أحد منهم عن أحد ولا اختصاص لإفادة هذا المعنى بالحالية بل يفيد التأكيد أيضا وقيل أكد بتأكيدين مبالغة فى التعمم هذا وأما أن سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الأمر التعليقى كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتى فى سورة الحجر فإن ظاهر هما يستدعى ترتبه عليه من غير أن يتوسط بينهما شىء غير ما يفصح عنه الفاء الفصيحة من الخلق والتسوية ونفخ الروح أو على الأمر التنجيزى كما يقتضيه ما فى سورة البقرة وما فى سورة الأعراف وما فى سورة بنى إسرائيل وما فى سورة الكهف وما فى سورة طه من الآيات الكريمة فقد مر تحقيقه بتوفيق الله عزوجل فى سورة البقرة وسورة الأعراف (إِلَّا إِبْلِيسَ) استثناء متصل لما أنه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة موصوفا بصفاتهم فغلبوا عليه ثم استثنى استثناء واحد منهم أو لأن الملائكة جنسا يتوالدون وهو منهم أو منقطع وقوله تعالى (اسْتَكْبَرَ) على الأول استئناف مبين لكيفية ترك السجود المفهوم من الاستثناء فإن تركه يحتمل أن يكون للتأمل والتروى وبه يتحقق أنه للإباء والاستكبار وعلى الثانى يجوز اتصاله بما قبله أى لكن إبليس استكبر (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أى وصار منهم بمخالفته للأمر واستكباره عن الطاعة أو كان منهم فى علم الله تعالى عزوجل (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) أى خلقته بالذات من غير توسط أب وأم والتثنية لإبراز كمال الاعتناء بخلقه عليه الصلاة والسلام المستدعى لإجلاله وإعظامه قصدا إلى تأكيدا لإنكار وتشديد التوبيخ (أَسْتَكْبَرْتَ) بهمزة الإنكار وطرح همزة الوصل أى أتكبرت من غير استحقاق (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) المستحقين للتفوق وقيل أستكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين وقرىء بحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة أم عليها.