(إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) (٧١)
____________________________________
لا بذوانهم والتقدير ما كان لى فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصامهم وتقدير الكلام كما اختاره الجمهور تحجير للواسع فإن علمه عليه الصلاة والسلام غير مقصور على ما جرى بينهم من الأقوال فقط بل عام لها وللأفعال أيضا من سجود الملائكة واستكبار إبليس وكفره حسبما ينطق به الوحى فلا بد من اعتبار العموم فى نفيه أيضا لا محالة وقوله تعالى (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) اعتراض وسط بين إجمال اختصامهم وتفصيله تقريرا لثبوت علمه عليه الصلاة والسلام وتعيينا لسببه إلا أن بيان انتفائه فيما سبق لما كان منبئا عن ثبوته الآن ومن البين عدم ملابسته عليه الصلاة والسلام بشىء من مباديه المعهودة تعين أنه ليس إلا بطريق الوحى حتما فجعل ذلك أمرا مسلم الثبوت غنيا عن الإخبار به قصدا وجعل مصب الفائدة والمقصود إخبار ما هو داع إلى الوحى ومصحح له تحقيقا لقوله تعالى (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) فى ضمن تحقيق علمه عليه الصلاة والسلام بقصة الملأ الأعلى فالقائم مقام الفاعل ليوحى إما ضمير عائد إلى الحال المقدر أو ما يعمه وغيره فالمعنى ما يوحى إلى حال الملأ الأعلى أو ما يوحى إلى ما يوحى من الأمور الغيبية التى من جملتها حالهم إلا لأنما أنا نذير مبين من جهته تعالى فإن كونه عليه الصلاة والسلام كذلك من دواعى الوحى إليه ومن موجباته حتما وأما أن القائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور أو هو إنما أنا نذير مبين بلا تقدير الجار وأن المعنى ما يوحى إلى إلا للإنذار أو ما يوحى إلى إلا أن أنذر وأبلغ ولا أفرط فى ذلك كما قيل فمع ما فيه من الاضطرار إلى التكلف فى توجيه قصر الوحى على كونه للإنذار فى الأول وقصره على الإنذار فى الثانى فلا يساعده سباق النظم الكريم وسياقه كيف لا والاعتراض حينئذ يكون أجنبيا مما توسط بينهما من إجمال الاختصام وتفصيله فتأمل والله المرشد وقرىء إنما بالكسر على الحكاية وقوله تعالى (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) شروع فى تفصيل ما أجمل من الاختصام الذى هو ما جرى بينهم من التقاول وحيث كان تكليمه تعالى إياهم بواسطة الملك صح إسناد الاختصام إلى الملائكة وإذ بدل من إذ الأولى وليس من ضرورة البدلية دخولها على نفس الاختصام بل يكفى اشتمال ما فى حيزها عليه فإن القصة ناطقة بذلك تفصيلا والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لتشريفه والإيذان بأن وحى هذا النبأ إليه تربية وتأييد له عليه الصلاة والسلام والكاف وارد باعتبار حال الآمر لكونه أدل على كونه وحيا منزلا من عنده تعالى كما فى قوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الخ دون حال المأمور وإلا لقيل ربى لأنه داخل فى حيز الأمر (إِنِّي خالِقٌ) أى فيما سيأتى وفيه ما ليس فى صيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل* له البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه (بَشَراً) قيل أى جسما كثيفا يلاقى ويباشر وقيل خلقا بادى* البشرة بلا صوف ولا شعر ولعل ما جرى عند وقوع المحكى ليس هذا الاسم الذى لم يخلق مسماه حينئذ فضلا عن تسميته به بل عبارة كاشفة عن حاله وإنما عبر عنه بهذا الاسم عند الحكاية (مِنْ طِينٍ) لم يتعرض