(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٤)
____________________________________
استئناف مقرر لما قبله من الأمر بإخلاص الدين له تعالى ووجوب الامتثال به وعلى القراءة الأخيرة مؤكد لاختصاص الدين به تعالى أى ألا هو الذى يجب أن يخص بإخلاص الطاعة له لأنه المتفرد بصفات الألوهية التى من جملها الاطلاع على السرائر والضمائر وقوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) * تحقيق لحقية ما ذكر من إخلاص الدين الذى هو عبارة عن التوحيد ببيان بطلان الشرك الذى هو عبارة عن ترك إخلاصه والموصول عبارة عن المشركين ومحله الرفع على الابتداء خبره ما سيأتى من الجملة المصدرة بإن والأولياء عن الملائكة وعيسى عليهمالسلام والأصنام وقوله تعالى (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) حال بتقدير القول من واو اتخذوا مبينة لكيفية إشراكهم وعدم خلوص دينهم والاستثناء مفرغ من أعم العلل وزلفى مصدر مؤكد على غير لفظ المصدر ملاق له فى المعنى أى والذين لم يخلصوا العبادة لله تعالى بل شابوها بعبادة غيره قائلين ما نعبدهم لشىء من الأشياء إلا ليقربونا إلى الله تعالى تقريبا (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أى وبين خصمائهم الذين هم المخلصون للدين وقد حذف لدلالة الحال عليه كما فى قوله تعالى (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) على أحد الوجهين أى بين أحد منهم وبين غيره وعليه قول النابغة[فما كان بين لخير لو جاء سالما * أبو حجر إلا ليال قلائل] أى بين الخير وبينى وقيل ضمير بينهم للفريقين جميعا (فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من الدين الذى اختلفوا فيه بالتوحيد والإشراك وادعى كل فريق منهم صحة ما انتحله وحكمه تعالى فى ذلك إدخال الموحدين الجنة والمشركين النار فالضمير للفريقين هذا هو الذى يستدعيه مساق النظم الكريم وأما تجويز أن يكون الموصول عبارة عن المعبودين على حذف العائد إليه وإضمار المشركين من غير ذكر تعويلا على دلالة المساق عليهم ويكون التقدير والذين اتخذهم المشركون أولياء قائلين ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله إن الله يحكم بينهم أى بين العبدة والمعبودين فيما هم فيه يختلفون حيث يرجو العبدة شفاعتهم وهم يلعنونهم فبعد الإغضاء عما فيه من التعسفات بمعزل من السداد كيف لا وليس فيما ذكر من طلب الشفاعة واللعن مادة يختلف فيها الفريقان اختلافا محوجا إلى الحكم والفصل وإنما ذاك ما بين فريقى الموحدين والمشركين فى الدنيا من الاختلاف فى الدين الباقى إلى يوم القيامة وقرىء قالوا ما نعبدهم فهو بدل من الصلة لا خبر للموصول كما قيل إذ ليس فى الإخبار بذلك مزيد مزية وقرىء ما نعبدكم إلا لتقربونا حكاية لما خاطبوا به آلهتهم وقرىء نعبدهم إتباعا للباء (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أى لا يوفق للاهتداء* إلى الحق الذى هو طريق النجاة عن المكروه والفوز بالمطلوب (مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أى راسخ فى* الكذب مبالغ فى الكفر كما يعرب عنه قراءة كذاب وكذوب فإنهما فافدان للبصيرة غير قابلين للاهتداء لتغيير هما الفطرة الأصلية بالتمرن فى الضلالة والتمادى فى الغى والجملة تعليل لما ذكر من حكمه تعالى (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) الخ استئناف مسوق لتحقيق الحق وإبطال القول بأن الملائكة بنات الله وعيسى ابنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ببيان استحالة اتخاذ الولد فى حقه تعالى على الإطلاق ليندرج فيه استحالة