(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) (٧٨)
____________________________________
قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) منصوب بتنوء وقيل ببغى ورد بأن البغى ليس مقيدا بذلك الوقت* وقيل بآتيناه ورد بأن الإيتاء أيضا غير مقيد به وقيل بمضمر فقيل هو اذكر وقيل هو أظهر الفرح ويجوز أن يكون منصوبا بما بعده من قوله تعالى (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ) وتكون الجملة مقررة لبغيه (لا تَفْرَحْ) أى لا تبطر* والفرح فى الدنيا مذموم مطلقا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتما ولذلك قال تعالى (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) وعلل النهى ههنا بكونه مانعا من محبته عز وعلا فقيل (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أى بزخارف الدنيا (وَابْتَغِ) وقرىء واتبع (فِيما آتاكَ اللهُ) من الغنى (الدَّارَ الْآخِرَةَ) أى ثواب الله تعالى فيها يصرفه إلى ما يكون وسيلة إليه (وَلا تَنْسَ) أى لا تترك ترك المنسى (نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك (وَأَحْسِنْ) أى إلى عباد الله تعالى (كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) فيما أنعم به عليك وقيل أحسن بالشكر والطاعة كما أحسن الله إليك بالإنعام (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) نهى عما كان عليه من الظلم والبغى (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) لسوء أفعالهم (قالَ) مجيبا لناصحيه (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) كأنه يريد به الرد على قولهم كما أحسن الله إليك لإنبائه عن أنه تعالى أنعم عليه بتلك الأموال والذخائر من غير سبب واستحقاق من قبله أى فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالمال والجاه وعلى علم فى موقع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها وقيل علم الكيمياء وقيل علم النجارة والدهقنة وسائر المكاسب وقيل علم فتح الكنوز والدفائن وعندى صفة له أو متعلق بأوتيته كقولك جاز هذا عندى أو فى ظنى ورأيى (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) توبيخ له من جهة الله تعالى على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك قراءة فى التوراة وتلقيا من موسى عليهالسلام وسماعا من حفاظ التواريخ وتعجب منه فالمعنى ألم يقرأ التوراة ولم يعلم ما فعل الله تعالى بأضرابه من أهل القرون السابقة حتى لا يغتر بما اغتروا به أورد لادعائه العلم وتعظمه به بنفى هذا العلم منه فالمعنى أعلم ما ادعاه ولم يعلم هذا حتى يقى به نفسه مصارع الهالكين (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) سؤال استعلام بل يعذبون بها بغتة كأن قارون لما هدد* بذكر إهلاك من قبله ممن كان أقوى منه وأغنى أكد ذلك بأن بين أن ذلك لم يكن مما يخص أولئك المهلكين بل الله تعالى مطلع على ذنوب كافة المجرمين يعاقبهم عليها لا محالة.