(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١)
____________________________________
لمثل من الأمثال القرآنية بعد بيان أن الحكمة فى ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى والمراد بضرب المثل ههنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها وجعلها مثلها كما مر فى سورة يس ومثلا مفعول ثان لضرب ورجلا مفعوله له الأول أخر عن الثانى للتشويق إليه وليتصل به ما هو من تتمته التى هى العمدة فى التمثيل وفيه ليس بصلة لشركاء كما قيل بل هو خبر له وبيان أنه فى الأصل كذلك مما لا حاجة إليه والجملة فى حيز النصب على أنه وصف لرجلا أو الوصف هو الجار والمجرور وشركاء مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف فالمعنى جعل الله تعالى مثلا للمشرك حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهماتهم المتباينة فى تحيره وتوزع قلبه (وَرَجُلاً) أى وجعل للموحد مثلا رجلا (سَلَماً) أى خالصا (لِرَجُلٍ) فرد ليس لغيره عليه سبيل أصلا وقرىء سلما بفتح السين وكسرها مع سكون اللام والكل مصادر من سلم له كذا أى خلص نعت بها مبالغة أو حذف منها ذو وقرىء سالما وسالم أى وهناك رجل سالم وتخصيص الرجل لأنه أفطن لما يجرى عليه من الضر والنفع (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) إنكار واستبعاد لاستوائهما ونفى له على أبلغ وجه وآكده وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما أو يتلعثم فى الحكم بتباينهما ضرورة أن أحدهما فى أعلى عليين والآخر فى أسفل سافلين وهو السر فى إبهام الفاضل والمفضول وانتصاب مثلا على التمييز أى هل يستوى حالاهما وصفتاهما والاقتصار فى التمييز على الواحد لبيان الجنس وقرىء مثلين كقوله تعالى (أَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) للإشعار باختلاف النوع أو لأن المراد هل يستويان فى الوصفين على أن الضمير للمثلين لأن التقدير مثل رجل فيه الخ ومثل رجل الخ وقوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) تقرير لما قبله من نفى الاستواء بطريق الاعتراض وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى وأنها نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداموا على حمده وعبادته أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء صنع جميل ولطف تام منه عزوجل مستوجب لحمده وعبادته وقوله تعالى (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون فى ورطة الشرك والضلال وقوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) تمهيد لما يعقبه من الاختصام يوم القيامة وقرىء مائت ومائتون وقيل كانوا يتربصون برسول الله صلىاللهعليهوسلم موته أى إنكم جميعا بصدد الموت (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أى مالك أموركم (تَخْتَصِمُونَ) فتحتج أنت عليهم بأنك بلغتهم ما أرسلت به من الأحكام والمواعظ التى من جملتها ما فى تضاعيف هذه الآيات واجتهدت فى الدعوة إلى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا فى المكابرة والعناد وقيل المراد به الاختصام العام الجارى فى الدنيا بين الأنام والأول هو الأظهر الأنسب بقوله