(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) (٣٧)
____________________________________
وعدهم الله جميع ما يشاءونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد اسوأ الذى عملوا دفعا لمضارهم (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) إعطاء لمنافعهم وإظهار الاسم الجليل* فى موقع الإضمار لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام وإضافة الأسوأ والأحسن إلى ما بعدهما ليست من قبيل إضافة المفضل إلى المفضل عليه بل من إضافة الشىء إلى بعضه للقصد إلى التحقيق والتوضيح من غير اعتبار تفضيله عليه وإنما المعتبر فيهما مطلق الفضل والزيادة لا على المضاف إليه المعين بخصوصه كما فى قولهم الناقص والأشج أعدلاننى مر وان خلا أن الزيادة المعتبرة فيهما ليست بطريق الحقيقة بل هى فى الأول بالنظر إلى ما يليق بحالهم من استعظام سيئاتهم وإن قلت واستصغار حسناتهم وإن جلت والثانى بالنظر إلى لطف أكرم الأكرمين من استكثار الحسنة اليسيرة ومقابلتها بالمثوبات الكثيرة وحمل الزيادة على الحقيقة وإن أمكن فى الأول بناء على أن تخصيص الأسوأ بالذكر لبيان تكفير ما دونه بطريق الأولوية ضرورة استلزام تكفير الأسوأ لتكفير السيىء لكن لما لم يكن ذلك فى الأحسن كان الأحسن نظمهما فى سلك واحد من الاعتبار والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل فى صلة الموصول الثانى دون الأول للإيذان باستمرارهم على الأعمال الصالحة بخلاف السيئة (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) إنكار ونفى لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه وآكده كأن الكفاية من التحقق والظهور بحيث لا يقدر أحد على أن يتفوه بعدمها أو يتلعثم فى الجواب بوجودها والمراد بالعبد إما رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو الجنس المنتظم له عليهالسلام انتظاما أوليا ويؤيده قراءة من قرأ عباده وفسر بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكذا قراءة من قرأ بكافى عباده على الإضافة ويكافىء عباده صيغة المغالبة إما من الكفاية لإفادة المبالغة فيها وإما من المكافأة بمعنى المجازاة وهذه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عما قالت له قريش إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا ويصيبك مضرتها لعيبك إياها وفى رواية قالوا لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون كما قال قوم هود إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتا بسوء وذلك قوله تعالى (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أى الأوثان التى اتخذوها آلهة* من دونه تعالى والجملة استئناف وقيل حال (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) حتى غفل عن كفايته تعالى وعصمته له صلىاللهعليهوسلم وخوفه بما لا ينفع ولا يضر أصلا (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه إلى خير ما (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله ولا معارض لإرادته كما ينطق به قوله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع (ذِي انْتِقامٍ) ينتقم من أعدائه* لأوليائه وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام وتربية المهابة.