(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥)
____________________________________
بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها إما ظاهرا وباطنا كما عند الموت أو ظاهرا فقط كما عند النوم (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ولا يردها إلى البدن وقرىء قضى على البناء للمفعول ورفع الموت (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) أى النائمة إلى بدنها عند التيقظ (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو الوقت المضروب لموته وهو غاية لجنس الإرسال الواقع بعد الإمساك لا لفرد منه فإن ذلك مما لا امتداد فيه ولا كمية وما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما إن فى ابن آدم نفسا وروحا بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس هى التى بها العقل والتمييز والروح هى التى بها النفس والتحرك فتتوفيان عند الموت وتتوفى النفس وحدها عند النوم قريب مما ذكر (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من التوفى على الوجهين والإمساك فى أحدهما والإرسال فى الآخر* (لَآياتٍ) عجيبة دالة على كمال قدرته تعالى وحكمته وشمول رحمته (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فى كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها تارة بالكلية كما عند الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة وأخرى عن ظواهرها فقط كما عند النوم وإرسالها حينا بعد حين إلى انقضاء آجالها (أَمِ اتَّخَذُوا) أى بل اتخذ قريش (مِنْ دُونِ اللهِ) من دون إذنه تعالى (شُفَعاءَ) تشفع لهم عنده تعالى (قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه أى قل أتتخذونهم شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيئا من الأشياء ولا يعقلونه فضلا عن أن يملكوا الشفاعة عند الله تعالى أو هى لإنكار الوقوع ونفيه على أن المراد بيان أن ما فعلوا ليس من اتخاذ الشفعاء فى شىء لأنه فرع كون الأوثان شفعاء وذلك أظهر المحالات فالمقدر حينئذ غير ما قدر أولا وعلى أى تقدير كان قالوا وللعطف على شرطية قد حذفت لدلالة المذكورة عليها أى أيشفعون لو كانوا يملكون شيئا ولو كانوا لا يملكون الخ وجواب لو محذوف لدلالة المذكور عليه وقد مر تحقيقه مرارا (قُلْ) بعد تبكيتهم وتجهيلهم بما ذكر تحقيقا للحق (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) أى هو مالكها لا يستطيع أحد شفاعة ما إلا أن يكون المشفوع له مرتضى والشفيع مأذونا له وكلاهما مفقود ههنا وقوله تعالى (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تقرير له وتأكيد أى له ملكهما* وما فيهما من المخلوقات لا يملك أحد أن يتكلم فى أمر من أموره بدون إذنه ورضاه (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة لا إلى أحد سواه لا استقلالا ولا اشتراكا فيفعل يومئذ ما يريد (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) دون آلهتهم (اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أى انقبضت ونفرت كما فى قوله تعالى (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) فرادى أو مع ذكر الله تعالى (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله تعالى ولقد بولغ فى بيان حاليهم القبيحتين حيث