(وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (٢٨)
____________________________________
ولو لا هم لقتله وما كان الذى يكفه إلا ما فى نفسه من الفزع الهائل وقوله (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) تجلد منه وإظهار لعدم المبالاة بدعائه ولكنه أخوف ما يخافه (إِنِّي أَخافُ) إن لم أقتله (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) أن يغير ما أنتم* عليه من الدين الذى هو عبارة عن عبادته وعبادة الأصنام لتقربهم إليه (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية وقرىء بالواو الجامعة وقرىء بفتح الياء والهاء ورفع الفساد وقرى بظهر بتشديد الظاء والهاء من تظهر بمعنى تظاهر أى تتابع وتعاون (وَقالَ مُوسى) أى لقومه حين سمع بما تقوله اللعين من حديث قتله عليه الصلاة والسلام (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) صدر عليه الصلاة والسلام كلامه بأن تأكيدا له وإظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وفرط الرغبة فيه وخص اسم الرب المنبىء عن الحفظ والتربية لأنهما الذى يستدعيه وأضافه إليه وإليهم حثا لهم على موافقته فى العياذ به تعالى والتوكل عليه فإن فى تظاهر النفوس تأثيرا قويا فى استجلاب الإجابة ولم يسم فرعون بل ذكره بوصف يعمه وغيره من الجبابرة لتعميم الاستعاذة والإشعار بعلة القساوة والجرأة على الله تعالى وقرىء عدت بالإدغام (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) قيل كان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا وقيل كان إسرائيليا أو غريبا* موحدا (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) أى من فرعون وملئه (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً) أتقصدون قتله (أَنْ يَقُولَ) لأن يقول أو كراهة أن يقول (رَبِّيَ اللهُ) أى وحده من غير روية وتأمل فى أمره (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ) والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التى شاهدتموها وعهدتموها (مِنْ رَبِّكُمْ) أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا عليهم واستنزالا لهم عن رتبة المكابرة ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج فى دفعه إلى قتله (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) أى إن لم يصبكم كله فلا أقل من إصابة بعضه لا سيما إن تعرضتم له بسوء وهذا كلام صادر عن غاية الإنصاف وعدم التعصب ولذلك قدم من شقى الترديد كونه كاذبا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض ما يعدهم كأنه خوفهم بما أظهر احتمالا عندهم وتفسير البعض بالكل مستدلا بقول لبيد*[تراك أمكنة إذا لم أرضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها] مردود لما أن مراده بالبعض نفسه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) احتجاج آخر ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى البينات ولما أيده بتلك المعجزات وثانيهما إن كان كذلك خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراهم المعنى الثانى وهو عاكف على المعنى الأول لتلين شكيمتهم وقد عرض به لفرعون بأنه