(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٣٣)
____________________________________
خبير بأن حقيته تعالى وعلوه وكبرياءه وإن كانت صالحة لمناطية ما ذكر من الأحكام المعدودة لكن بطلان إلهية الأصنام لا دخل له فى المناطية قطعا فلا مساغ لنظمه فى سلك الأسباب بل هو تعكيس للأمر ضرورة أن الأحكام المذكورة هى المقتضية لبطلانها لا أن بطلانها يقتضيها. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) بإحسانه فى تهيئة أسبابه وهو استشهاد آخر على باهر قدرته وغاية حكمته وشمول إنعامه والباء إما متعلقة بتجرى أو بمقدر هو حال من فاعله أى ملتبسة بنعمته تعالى وقرىء الفلك بضم اللام وبنعمات الله وعين فعلات يجوز فيه الكسر والفتح والسكون (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) أى بعض دلائل وحدته وعلمه وقدرته وقوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) تعليل لما* قبله أى إن فيما ذكر لآيات عظيمة فى ذاتها كثيرة فى عددها لكل من يبالغ فى الصبر على المشاق فيتعب نفسه فى التفكر فى الأنفس والآفاق ويبالغ فى الشكر على نعمائه وهما صفتا المؤمن فكأنه قيل لكل مؤمن (وَإِذا غَشِيَهُمْ) أى علاهم وأحاط بهم (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما وقرىء كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الدواهى والشدائد (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) أى مقيم على القصد السوى الذى هو التوحيد أو متوسط فى الكفر لانزجاره فى الجملة (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) غدار فإنه نقض للعهد الفطرى أو رفض لما كان فى البحر والختر أشد الغدر وأقبحه (كَفُورٍ) مبالغ فى كفران نعم الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أى لا يقضى عنه وقرىء لا يجزى من أجزأ إذا أغنى والعائد إلى الموصوف محذوف أى لا يجزى فيه (وَلا مَوْلُودٌ) عطف على (والِدٌ) أو هو مبتدأ خبره (هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزى وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر فى الآخرة (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالثواب والعقاب (حَقٌّ) لا يمكن إخلافه أصلا (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أى الشيطان المبالغ فى الغرور بأن يحملكم على المعاصى