(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) (٢٧)
____________________________________
الكتاب الذى آتيناه موسى (هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) قيل لم يتعبد بما فى التوراة ولد إسمعيل (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) بقيتهم بما فى تضاعيف الكتاب من الحكم والأحكام إلى طريق الحق أو يهدونهم إلى ما فيه من دين الله وشرائعه (بِأَمْرِنا) إياهم بذلك أو بتوفيقنا له (لَمَّا صَبَرُوا) هى لما التى فيها معنى الجزاء نحو* أحسنت إليك لما جئتنى والضمير للأئمة تقديره لما صبروا جعلناهم أئمة أو هى ظرف بمعنى الحين أى جعلناهم أئمة حين صبروا والمراد صبرهم على مشاق الطاعات ومقاسات الشدائد فى نصرة الدين أو صبرهم عن الدنيا وقرىء لما صبروا أى لصبرهم (وَكانُوا بِآياتِنا) التى فى تضاعيف الكتاب (يُوقِنُونَ) لإمعانهم فيها النظر والمعنى كذلك لنجعلن الكتاب الذى آتيناكه هدى لأمتك ولنجعلن منهم أئمة يهدون مثل تلك الهداية (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ) أى يقضى (بَيْنَهُمْ) قيل بين الأنبياء وأممهم وقيل بين المؤمنين والمشركين (يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيميز بين المحق والمباطل (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمور الدين (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى فى أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول وإما بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل مادل عليه قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنا) أى أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم كثرة إهلاكنا (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) مثل عاد وثمود وقوم لوط وقرىء نهد لهم بنون العظمة وقد جوز أن يكون الفاعل على القراءة الأولى أيضا ضميره تعالى فيكون قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنا) الخ استئنافا مبينا لكيفية هدايته تعالى (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) أى يمرون فى متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم والجملة حال من ضمير لهم وقرىء يمشون للتكثير (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من كثرة إهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو فى مساكنهم (لَآياتٍ) عظيمة فى أنفسها كثيرة فى عددها (أَفَلا يَسْمَعُونَ) هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) أى التى جرز نباتها أى قطع وأزيل بالمرة وقيل هو اسم موضع باليمن (فَنُخْرِجُ بِهِ) من تلك الأرض (زَرْعاً تَأْكُلُ) أى من ذلك الزرع (أَنْعامُهُمْ) كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها وقرىء يأكل بالياء (وَأَنْفُسُهُمْ) كالحبوب التى يقتاتها الإنسان والثمار (أَفَلا يُبْصِرُونَ)