(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥)
____________________________________
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أى فوض جميع أمورك إليه (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) حافظا موكولا إليه كل الأمور (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) شروع فى إلقاء الوحى الذى أمر صلىاللهعليهوسلم باتباعه وهذا مثل ضربه الله* تعالى تمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) وتنبيها على أن كون المظاهر منها أما وكون الدعى ابنا أى بمنزلة الأم والابن فى الآثار والأحكام المعهودة فيما بينهم فى الاستحالة بمنزلة اجتماع قلبين فى جوف واحد وقيل هو رد لما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان ولذلك قيل لأبى معمر أو لجميل بن سيد الفهرى ذو القلبين أى ما جمع الله تعالى قلبين فى رجل وذكر الجوف لزيادة التقرير كما فى قوله تعالى (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ولا زوجية ولا أمومة فى امراة ولا دعوة وبنوة فى شخص لكن لا بمعنى نفى الجمع بين حقيقة الزوجية والأمومة ونفى الجمع بين حقيقة الدعوة والبنوة كما فى القلب ولا بمعنى نفى الجمع بين أحكام الزوجية وأحكام الأمومة ونفى الجمع بين أحكام الدعوة وأحكام البنوة على الإطلاق بل بمعنى نفى الجمع بين حقيقة الزوجية وأحكام الأمومة ونفى الجمع بين حقيقة الدعوة وأحكام البنوة لإبطال ما كانوا عليه من إجراء أحكام الأمومة على المظاهر منها وإجراء أحكام البنوة على الدعى ومعنى الظهار أن يقول لزوجته أنت على كظهر أى مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا فى الجاهلية وهو فى الإسلام يقتضى الطلاق أو الحرمة إلى أداء الكفارة كما عدى آلى بها وهو بمعنى حلف وذكر الظهار للكناية عن البطن الذى هو عموده فإن ذكره قريب من ذكر الفرج أو للتغليظ فى التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان الزوجة وظهرها إلى السماء وقرىء اللاء وقرىء تظاهرون بحذف إحدى التاءين من تتظاهرون وتظاهرون بإدغام التاء الثانية فى الظاء وتظهرون من أظهر بمعنى تظهر وتظهرون من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد وتظهرون من ظهر ظهورا وادعياء جمع دعى وهو الذى يدعى ولدا على الشذوذ لاختصاص أفعلاء بفعيل بمعنى فاعل كتقى وأتقياء كأنه شبه به فى اللفظ فجمع جمعه* كقتلاء وأسراء (ذلِكُمْ) إشارة إلى ما يفهم مما ذكر من الظهار والدعاء أو إلى الأخير الذى هو المقصود من مساق الكلام أى دعاءكم بقولكم هذا ابنى (قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) فقط من غير أن يكون له مصداق وحقيقة فى الأعيان فإذن هو بمعزل من استتباع أحكام البنوة كما زعمتم (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ) المطابق للواقع (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أى سبيل الحق لا غير فدعوا أقوالكم وخذوا بقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) أى انسبوهم