أكل مال الربا
الحديث في هذه الآيات عن الرّبا من خلال الواقع المتمثل في شخصية المرابي واختلاط الصورة في ذهنه ، من جهة ، وفي حركة الربا في حياة المرابي مقارنا بالصدقة في حياة المتصدق في حساب الله من جهة أخرى ، ثم الملاحقة لهذا الواقع من أجل الدعوة إلى التخلص منه وتغييره بالموعظة الحسنة ، والترغيب بما عند الله من ثواب للسائرين على خط التقوى ، الذين لا يريدون أن يظلموا أحدا كما لا يريدون أن يظلمهم أحد ، فإذا لم ينسجموا مع هذا الخط ولم يتوبوا إلى الله الذي يقف بهم عند خط العدل في الأشياء ، فليتحملوا مسئولية إعلان الحرب عليهم من الله ورسوله ، مما يعني المواجهة بالعنف في خطوات الشريعة في الدنيا ، وفي عذاب الله في الآخرة ، حيث يوفّي الله كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.
تلك هي الصورة الإجمالية المتحصلة من هذه الآيات المتحدثة عن الربا في خطوات الواقع ، الذي كان البعض من المؤمنين مستمرين عليه ، بعد نزول آيات التحريم ، التي ربما كانت من الآيات الواردة في سورة آل عمران (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران : ١٣٠] ، واستمرار هذا الواقع الربوي ، بعد نزول آيات التحريم ، قد يكون ناتجا عن طبيعة النظام الاقتصادي الذي كان يسود المجتمع العربي ، لا سيما مجتمع المدينة الذي كان خاضعا للسيطرة الماليّة للمرابين اليهود ، كما هو شأنهم في كثير من المجتمعات التي يعيشون فيها ، فكان لا بدّ من الحملة المشدّدة التي تواجه هذا الواقع بأسلوب عنيف لتكون عنصرا رادعا للانحراف عن الخط المستقيم.