الإنفاق بين القيمة الذاتية والقيمة الاجتماعية
وقد يبدو لنا ـ في بداية الحديث ـ أن نتساءل عن المعنى الذي يمثله الإنفاق في سبيل الله في تخطيط حركة الإنسان في الحياة. فهل هي القيمة الذاتية التي تتمثل في الدوافع والأجواء النفسية التي يعيشها المنفق ، ليكون الثواب جزاء على ما يجسده العمل من معنى روحي إنساني ، بعيدا عن أيّة حالة إنسانية عامة تتصل بالواقع الاجتماعي للمجتمع ككل ، أو هي القيمة الاجتماعية في ما يحققه الإنفاق من رعاية المجتمع في حاجاته العامة والخاصة؟
والجواب عن ذلك ، أن التشريع الإسلامي الذي أنزله الله للحياة لا ينحصر في جانب واحد ، بل يشمل الجوانب كلها ، لأن الحياة لا تمثل في مسيرتها الإنسانية جوانب منفصلة عن بعضها البعض ، بل تمثل التشابك والارتباط بين مختلف الجهات ، فلا نتصور الجانب الذاتي الروحي منعزلا عن الجانب الاجتماعي ، لأن قوة الروح الاجتماعية في الإنسان تكمن في القيمة الروحية الذاتية لشخصيته ، كما أن للأعمال المنطلقة من خلال الدوافع الروحية في حركة الإنسان في المجتمع تأثيرا كبيرا في نموّها وسلامتها وتطويرها ... وهذا ما نلاحظه في الصلاة التي هي عبادة روحية ، فإنها تشتمل على بعد ذاتي روحي ، يحقق معنى العبودية لله في أعماق النفس ، وعلى بعد أخلاقي اجتماعي يحقق إبعاد الإنسان عن الفحشاء والمنكر في ما يعنيه من قيمة فردية واجتماعية ، بل قد يكون للبعد الأول أثر كبير في تعميق البعد الثاني ، باعتبار أن عبودية الإنسان لله تمثّل مسئوليته العملية في الانضباط أمام إرادة الله في ما يحبه وفي ما لا يحبه ، في حياة الفرد والمجتمع ... ونلاحظه في الصوم الذي أريد له أن يحقق للإنسان معنى