العبودية لله الذي يلتقي بالإرادة الصلبة المبنية على التقوى ، كما يلتقي بالروح الإنسانية في مشاعرها الطاهرة إزاء مظاهر البؤس والجوع والعطش في حياة الناس الآخرين بما يثيره الصوم من هذه المشاعر من خلال إثارته للجوع والعطش والحرمان في داخل النفس والجسد ، فتلتقي فيه القيمة الفردية والاجتماعية.
ومن خلال ذلك ، نستطيع أن نقرر الفكرة التالية ، وهي أن التشريعات الإسلامية ـ بما فيها التشريعات العبادية ـ قد لاحظت جميع الأبعاد الإنسانية في ما تشتمل عليه من جوانب روحية ومادية في آفاق الفرد والمجتمع ، انطلاقا من أن الإنسان كلّ مترابط الأجزاء في ما ينطلق فيه من إيجابيات وسلبيات. وعلى ضوء ذلك ، نجد أن الإنفاق يمثل النموذج الحيّ لهذا الخط في التشريع ، فإن القيمة فيه لا تتمثل في الحجم المادي له ، بل تتمثل في تحقيق الشخصية الإنسانية الإسلامية في ما تعيشه من روح العطاء الذي تنساب معه كل المشاعر الإنسانية التي تلتقي بالهموم الكبيرة للإنسان في الحالات الفردية الصعبة التي يعاني فيها الفرد آلام الحرمان ، وفي الحالات الاجتماعية القاسية التي يفقد فيها المجتمع عوامل الكفاية والاستقرار الاقتصادية والحياتية ، وفي الحالات العامة التي تعيش فيها الأمة الاهتزاز المادي والسياسي والاقتصادي والأمني ، وفي الأمور الأخرى التي تتصل بالعناصر التي تمنح الإنسان قوّته واستقراره وكرامته الإنسانية. وبذلك يتحرك الإنفاق ، من خلال روح العطاء ، في بعدين : البعد الروحي الذاتي الذي يدخل في تكوين شخصية الإنسان في دوافعه وحركاته من موقع القيمة الروحية الفردية في ما تمثله من خصائص الذات في حساب التقويم الإنساني ، والبعد الاجتماعي ، في ما تحققه من عناصر الاستقرار والأمن والقوة للمجتمع وللأمة.
إن القرآن الكريم في منهاجه التربوي للإنسان ـ يريد أن يصنع الإنسان