عن حركة الخط الرسالي. ومن هنا نفهم الأحاديث التي تتحدث عن الكرم والسخاء من حيث تمثيلها لروح العطاء التي تصب في مجرى الحياة الاجتماعية في ما تسدّ به خلّة أو تقضي به حاجة أو تغيث به ملهوفا أو تطعم به جائعا أو تكسو به عريانا ، وما إلى ذلك من قضايا الإنسان المحروم أو الضعيف. فليست هناك قيم مطلقة في حساب الإسلام ، بل كل ما هناك هو انطلاق القيمة من المواقع الإسلامية في حياة الإنسان.
وفي هذا الإطار ، نعرف أن الإنفاق من أجل الحاجات الذاتية ؛ المادية والمعنوية ، أو من أجل العصبيات الفردية الضيقة ، تتحول إلى عمل تجاري يبحث فيه الإنسان عن العوض لما يقدّمه للآخرين ولا يعيش الروح الإلهي في ما يعطيه ، وبذلك يبتعد عن سبيل الله ، الذي يريد للإنسان أن ينفق طلبا لمرضاة الله ، ولما عند الله من ثواب.
وإذا كان الإنفاق في سبيل الله ، فلا معنى للمنّ والأذى على الإنسان المنفق عليه ، لأن ذلك هو شأن الإنفاق الشخصي الذي ينطلق من عوامل ذاتية تتعلّق به ، أما سبيل الله ، فيجعل العمل من أجل الله ، بحيث لا يكون للشخص دخل فيه إلا على أساس ارتباطه بالفكرة العامة والعنوان العام ، من حيث هو مسئولية وفريضة وحقّ للآخرين عليه ، في ما يطرحه الإسلام من مفهوم المال بأنه مال الله الذي آتاه للإنسان واستخلفه عليه وأمره بأن ينفق منه على نفسه وعلى الآخرين ، مما يبعد الإنفاق عن معنى المبادرة الذاتية ، ويحوّله إلى وكالة عن صاحب المال في إيصاله إلى مستحقيه ، الأمر الذي يرفع القضية عن دائرة المنّ في الأساس. وقد أفاضت هذه الآيات بأكثر من أسلوب في اعتبار ذلك مبطلا للصدقة في معناها وفي ثوابها ، تماما كصدقة المرائي الذي لا يستهدف من صدقته إلا رضا الناس عنه ، لأن القضية واحدة في النتيجة في كلا الحالين.