في أجواء السورة
وهذه من السور المكية التي تبدأ بالقسم بالسماء ذات البروج ، وباليوم الموعود الذي يحتوي في مضمونه العقيديّ يوم القيامة ، وبالشاهد والمشهود في إشارة ، ربما ، إلى الأنبياء الذين تحدث عنهم القرآن كشهود على أممهم ، وأما المشهود ، فقد يراد به العمل بوصفه متعلق الشهادة ، أو الأمر الذي يشاهده الناس في ما يعاينونه منه ، لتكون هذه الأمور الثلاثة إيحاء بالجوّ الغيبي الذي قد يعرف الإنسان بعض مفرداته ، ولكنه لا يعرف طبيعته الخفية في ما يوحي به من عالم غامض لا يدركه إلا عند ما يقترب إليه.
والموضوع المثير هو الحديث عن هؤلاء المؤمنين الذين عاشوا في مرحلة زمنية متقدّمة على الإسلام ، وربما قيل : إنهم من النصارى المؤمنين بعيسى عليهالسلام في دينه التوحيديّ ، فقد واجهوا ضغطا عظيما من بعض سلطات زمانهم ليدفعوهم إلى الارتداد عن دينهم ، فتمردوا على ذلك الضغط وأصروا على الالتزام بعقيدتهم ، فشقّوا لهم في الأرض شقّا ، وهو المعبر عنه بالأخدود ، وأضرموا فيه النار وألقوهم فيه ، فماتوا حرقا على مرأى من الناس الذين لم يحرّكوا ساكنا في هذا المجال ، انسجاما مع الطغاة في الحقد على المؤمنين أو خوفا منهم.
وقد تحدّثت السورة عن هؤلاء لتطرح النموذج الأعلى المميّز للموقف