(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) والبطش هو الأخذ بعنف ، فلا دافع لأخذه ، ولا رادّ لحكمه ، فما قيمة بطش الناس أمام بطشه ، فهو مالك السماوات والأرض ، وهو الجبّار القاهر فوق عباده ، مما يجعل الوجدان يهتز أمامه ويستصغر كل شيء معه. فإذا دخل الإنسان في مقارنة بين بطش الله وبطش الإنسان ، وقف في حياته ليبتعد عن مواقع بطش الله ، حتى لو تعرّض لبطش الناس.
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) فله النشأة الأولى في إيجاده للحياة ، وله النشأة الأخرى في إعادته للحياة بعد الموت ، وله البدء والإعادة في كل ما يتجدد في الحياة كالليل والنهار ، من موقع السيطرة على الوجود كله ، وعلى حركة الحياة كلها.
* * *
الله الغفور الودود
(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) الذي يغفر الذنوب لعباده إذا تابوا وأنابوا إليه ، وقد يغفر الذنب لمن يراه مستحقا لذلك من خلال طبيعة العناصر الحيّة في شخصه وعمله ، والذي يمنح عباده المؤمنين الذين عاشوا الودّ له ودّه ومحبته لهم ، وتلك هي الربوبية الرؤوفة الرحيمة الودودة التي تذكر العباد بالصداقة التي يريد الله لها أن تعيش في العلاقة بين الله وعباده ، في ما يوحي به ذلك من الحنو الغامر الذي يفيض على القلب فيملؤه حبا وخيرا وسلاما. وهذا ما ينبغي للمؤمنين أن يتطلعوا إليه في المحبة المتبادلة بينهم وبين الله ، فإنه الحب الذي لا حبّ أعلى منه ، وأيّ حبّ أعظم من أن تحب الله الذي خلقك وأنعم عليك بكل نعمه ، وأيّ حبّ يفيض عليك ، أعظم من أن يحبّك الله ليدخلك في رحاب رحمته ونعيم رضوانه ، إنها إيحاءات أن يكون الله ـ وحده ـ هو وليّك ، وأن تكون وليّ الله في مواقع رضاه.
وربما نستوحي من صفة «الودود» لله ، أن علاقته بعباده تنطلق من موقع