الإنسان هو الإنسان الدنيويّ بعينه وشخصه ، ثم يجزيه بما تقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شرّ.
ويؤيّد ذلك كثير من الآيات الدالة على حفظ الأشياء كقوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] ، وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ)» (١) [الزمر : ٤٢].
ونلاحظ أن هذا الاحتمال بعيد عن الظهور من خلال أن السياق ينطلق في بيان مسئولية الإنسان عن أعماله التي يواجهها في يوم القيامة ، مما يفرض عليه الدقّة في المحاسبة والمراقبة ، وعدم الشعور بالحرية المطلقة في ما يأخذ به وفي ما يدعه ، ولا موجب للحديث عن حفظ النفوس وعدم بطلانها بالموت ، فإن طبيعة الحديث عن المعاد يفرض ذلك من دون حاجة إلى هذا التعبير البعيد عن الذهن ، أما ما ذكره شاهدا على ذلك من الآيتين ، فالظاهر أن المراد بهما حفظ النفس في الحياة من الموت قبل إتيان الأجل ، والله العالم.
* * *
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ)
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) فلا يستغرق في وجوده الكامل السويّ الذي يوحي بالقوّة والجمال ، بل يدرس مبدأ خلقه قبل تكوينه من خلال ما يلاحظه من طبيعة الطريقة في التناسل ، (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) يندفع ويسيل بدفع وسرعة ، وهو المنيّ (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) أي صلب الرجل ، وهو عظام ظهره الفقارية ، ومن ترائب المرأة ، وهي عظام صدرها العلوية. وهكذا يكون اللّقاء بينهما
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ٢٩٠.