إليه بعد ما سبحوا ، أي أسرعوا إليه عند النزول ...
وإذا كان المراد بالآيات الثلاث الإشارة إلى إسراع الملائكة في النزول على ما أمروا به من أمر وسبقهم إليه وتدبيره ، تعيّن حمل قوله : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً* وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) على انتزاعهم وخروجهم من موقف الخطاب إلى ما أمروا به ، فنزعهم غرقا شروعهم في النزول نحو المطلوب بشدّة وجدّ ، ونشطهم خروجهم من موقفهم نحوه ...
فالآيات الخمس إقسام بما يتلبس به الملائكة من الصفات عند ما يؤمرون بتدبير أمر من أمور هذا العالم المشهود ، من حين يأخذون في النزول إليه إلى تمام التدبير» (١).
ولنا ملاحظة على الوجه الأول ، وهو أن هناك خلافا في المراد بالصافّات والمرسلات في ما هو المراد منها ، وليس هناك اتفاق على إرادة الملائكة منها. وعلى الوجه الثاني : أن الفاء هنا لا ظهور لها في التفريع ، فيمكن أن تكون لمجرد العطف على نحو الترتيب الذكري ، من دون ارتباط لأحدها بالآخر ، وقد لا نجد ضرورة في تنوّع المعنى المراد من هذه الفقرات ، لأن المسألة هي مسألة القسم بهذه الأمور المهمّة ، كما يمكن أن يكون المراد منها كل ما صدق عليه المعنى من المخلوقات التي يتناسب مضمونها مع العناوين المأخوذة فيها ، لأن كل موجود في الكون له سرّه الذي يمثل الأهمية المميزة التي تجعل له قيمة كونية تجعله في مستوى القسم به ، والله العالم.
وربما كانت هذه الكلمات واردة في الأجواء التي تسبق القيامة أو تتحرك في داخلها ، بعيدا عن أسلوب القسم ، باعتبار أنّ ذلك يوحي بالجوّ الحركيّ الذي يهز المشاعر التي تتصور المسألة هناك في حركة العنف المتمثل بالنزع
__________________
(١) الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، ج : ٢٠ ص : ١٩٨ ـ ١٩٩.