(فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) فهي أعظم من أن يتحدث عنها بهذه الطريقة العابثة التي يراد من خلالها إثارة الجدل ، أو محاولة السخرية العابثة.
(إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) فهو الذي يملك أمرها ، ويحدّد وقتها ، في غيبه الذي لا يطّلع عليه أحد ، وليس لك من أمرها شيء ، ليطلبوا منك الجواب الدقيق عن تفاصيلها ، وليس ذلك من مهمتك الرسالية.
(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) فتلك هي القضية التي تتحمل مسئوليتها لتحدث الناس عنها من ناحية المبدأ ، لتثير في داخلهم الخوف من النتائج التي تواجههم فيها إذا قصّروا في الاستعداد إليها بالعمل بطاعة الله ، وهذا هو كل شيء.
وسوف يلتقيها كل الناس ، فيخيّل إليهم أنها قريبة إليهم بشكل مثير (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) ، حيث لا يرون الدنيا التي مرّت بهم إلا بمقدار عشية مرّت عليهم سريعا ، أو بمقدار وقت الضحى الذي ينتهي بسرعة ، ليواجهوا ، بعد ذلك ، الموقف الكبير الضخم ، الذي يصغر أمامه كل شيء.
وفي ضوء ذلك ، لا بدّ للإنسان من أن يدخل في عملية مقارنة بين الدنيا ، التي هي في حجم العشيّة أو ضحاها ، وبين الآخرة التي هي في حجم الزمان كله ، الذي لا ينتهي في آفاق الأبد اللّانهائي ، ليعرف كيف يكون عمله ، وكيف تكون نظرته إلى المستقبل ، بقلب مفتوح وعين بصيرة.
* * *